نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} (الْأَنْعَامِ -٤٤) .
وَقَرَأَ الْحَسَنُ " مِنْ كُلٍّ " بِالتَّنْوِينِ {مَا} عَلَى النَّفْيِ يَعْنِي مِنْ كُلِّ مَا لَمْ تَسْأَلُوهُ، يَعْنِي: أَعْطَاكُمْ أَشْيَاءَ مَا طَلَبْتُمُوهَا وَلَا سَأَلْتُمُوهَا (١) .
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ} أَيْ: نِعَمَ اللَّهِ، {لَا تُحْصُوهَا} أَيْ: لَا تُطِيقُوا عَدَّهَا وَلَا الْقِيَامَ بِشُكْرِهَا.
{إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} أَيْ: ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ بِالْمَعْصِيَةِ، كَافِرٌ بِرَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي نِعْمَتِهِ.
وَقِيلَ: الظَّلُومُ، الَّذِي يَشْكُرُ غَيْرَ مَنْ أَنْعَمَ عَلَيْهِ، وَالْكَافِرُ: مَنْ يَجْحَدُ مُنْعِمَهُ.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) } .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ} يَعْنِي: الْحَرَمَ، {آمِنًا} ذَا أَمْنٍ يُؤَمَّنُ فِيهِ، {وَاجْنُبْنِي} أَبْعِدْنِي، {وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} يُقَالُ: جَنَّبْتُهُ الشَّيْءَ، وَأَجْنَبْتُهُ جَنْبًا، وَجَنَّبْتُهُ تَجْنِيبًا وَاجْتَنَبْتُهُ اجْتِنَابًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعْصُومًا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ، فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ السُّؤَالُ؟ وَقَدْ عَبَدَ كَثِيرٌ مِنْ بَنِيهِ الْأَصْنَامَ فَأَيْنَ الْإِجَابَةُ؟
قِيلَ: الدُّعَاءُ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِزِيَادَةِ الْعِصْمَةِ وَالتَّثْبِيتِ، وَأَمَّا دُعَاؤُهُ لِبَنِيهِ: فَأَرَادَ بَنِيهِ مِنْ صُلْبِهِ، وَلَمْ يَعْبُدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ الصَّنَمَ.
وَقِيلَ: إِنَّ دُعَاءَهُ لِمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مِنْ بَنِيهِ (٢) .
{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} يَعْنِي ضَلَّ بِهِنَّ كَثِيرٌ [مِنَ النَّاسِ] (٣) عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى حَتَّى عَبَدُوهُنَّ، وَهَذَا هُوَ الْمَقْلُوبُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} (آلِ عِمْرَانَ -١٧٥) ،
(١) انظر: تفسير الطبري ١٣ / ٢٢٦.
(٢) وقال محمد بن أبي بكر الرازي قيل: "إنما سأل هذا السؤال في حالة خوف أذهله عن ذلك العلم -بالعصمة عن الكفر وعبادة الأصنام- لأن الأنبياء -عليهم السلام- أعلم الناس بالله، فيكونون أخوفهم منه، فيكون معذورا بسبب ذلك. وقيل: إن في حكمة الله تعالى وعلمه أن لا يبتلي نبيا من الأنبياء بالكفر، بشرط أن يكون متضرعا إلى ربه طالبا منه ذلك، فأجرى على لسانه هذا السؤال لتحقيق شرط العصمة". انظر: مسائل الرازي وأجوبتها من غرائب آي التنزيل، ص (١٦٤) .
(٣) ساقط من "ب".