{وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (٢٨) }
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاتْلُ} وَاقْرَأْ يَا مُحَمَّدُ {مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} يَعْنِي الْقُرْآنَ وَاتَّبِعْ مَا فِيهِ {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا مُغَيِّرَ لِلْقُرْآنِ. وَقِيلَ: لَا مُغَيِّرَ لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ أَهْلَ مَعَاصِيهِ. {وَلَنْ تَجِدَ} أَنْتَ {مِنْ دُونِهِ} إِنْ لَمْ تَتَّبِعِ الْقُرْآنَ {مُلْتَحَدًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: حِرْزًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَدْخَلًا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَلْجَأً. وَقِيلَ: مَعْدَلًا. وَقِيلَ: مَهْرَبًا. وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَيْلِ. قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الْفَزَارِيِّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَرَاءِ فِيهِمْ سَلْمَانُ وَعَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ عَرِقَ فِيهَا وَبِيَدِهِ خُوصَةٌ يَشُقُّهَا ثُمَّ يَنْسِجُهَا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا يُؤْذِيكَ رِيحُ هَؤُلَاءِ وَنَحْنُ سَادَاتُ مُضَرَ وَأَشْرَافُهَا فَإِنْ أَسْلَمْنَا أَسْلَمَ النَّاسُ وَمَا يَمْنَعُنَا مِنَ اتِّبَاعِكَ إِلَّا هَؤُلَاءِ فَنَحِّهِمْ عَنْكَ حَتَّى نَتْبَعَكَ أَوِ اجْعَلْ لَنَا مَجْلِسًا وَلَهُمْ مَجْلِسًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ} (١) أَيِ: احْبِسْ يَا مُحَمَّدُ نَفْسَكَ {مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} طَرَفَيِ النَّهَارِ {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} أَيْ: يُرِيدُونَ اللَّهَ لَا يُرِيدُونَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا.
قَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِ الصُّفَةِ وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فُقَرَاءَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْجِعُونَ إِلَى تِجَارَةٍ وَلَا إِلَى زَرْعٍ وَلَا ضَرْعٍ يُصَلُّونَ صَلَاةً وَيَنْتَظِرُونَ أُخْرَى فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مَنْ أُمِرْتُ أَنْ أَصْبِرَ نَفْسِي مَعَهُمْ " (٢) .
{وَلَا تَعْدُ} أَيْ: لَا تَصْرِفْ وَلَا تَتَجَاوَزْ {عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} إِلَى غَيْرِهِمْ {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أَيْ: طَلَبَ مُجَالَسَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَالْأَشْرَافِ وَصُحْبَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا.
{وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أَيْ: جَعَلْنَا قَلْبَهُ غَافِلًا عَنْ ذِكْرِنَا يَعْنِي: عُيَيْنَةَ بْنَ
(١) انظر: الدر المنثور: ٥ / ٣٨٠-٣٨٢، الطبري: ١٥ / ٢٣٤-٢٣٦، أسباب النزول للواحدي ص (٣٤٤-٣٤٥) ، زاد المسير: ٥ / ١٣٢.(٢) انظر: الدر المنثور: ٥ / ٣٨٠، أسباب النزول ص (٣٤٥) ابن كثير: ٣ / ٨٢.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://mail.shamela.ws/page/contribute