وهذا الباب فيه حمايته بسد الطرق القولية؛ فكل قول يفضي إلى الغلو يخشى منه الوقوع في الشرك، ويتعين اجتنابه، ولا يتم التوحيد إلا بتركه.
قوله:"باب: ما جاء في حماية المصطفى" لا شك أن النبي ﷺ حَمى (حِمى التوحيد) وسد جميع الطرق المفضية إلى الشرك، وهكذا سائر إخوانه من النبيين، كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ﴾ [النحل: ٣٦] ووصفه بالمصطفى وصف مطابق، فإن الله تعالى اصطفاه، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ﴾ [الحج: ٧٥] فأنبياء الله مصطفون أخيار. والحماية هي الصيانة عن كل ما يثلمه ويفسده، إما في أصله، أو في كماله الواجب، أو في كماله المستحب.
قوله:"عن عبد الله بن الشخِّير" هو عبد الله بن الشخير بن عوف العامري، أسلم يوم الفتح، قوله:"قال: انطلقتُ في وفد بني عامر، إلى رسول الله ﷺ، فقلنا: أنت سيدنا" استهلوا خطابهم بالتبجيل، والثناء، والمدح، كما تفعل الوفود حينما تقدم على الكبراء، وهكذا تعودوا في جاهليتهم، ووصفوه بالسيادة.
قوله:"السيد الله ﵎" فأراد النبي ﷺ أن يعلم هذا الوفد، حديثي العهد بالإسلام، الاقتصاد في الكلام، وأن لا يدب فيهم الغلو، فبيّن أن السيادة المطلقة لله تعالى.
وقد اختلف العلماء في إطلاق اسم "السيد" على غير الله ﷿:
- فقال قوم بالجواز، واستشهدوا بقصة سعد بن معاذ ﵁ حين أقبل بعد غزوة بني قريظة محمولاً على حمار؛ لكونه أصيب في أكحله، فقال النبي ﷺ للأنصار:"قوموا إلى سيدكم"(١).
- ومنع ذلك آخرون: مستدلين بحديث الباب، وروي ذلك عن مالك (٢).
(١) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل برقم (٣٠٤٣) ومسلم في الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد برقم (١٧٦٨). (٢) نقله عنه ابن القيم في بدائع الفوائد ت العمران (٣/ ١١٧٥) ولم نجده في كتب المالكية.