الأدب في الألفاظ دليل على كمال الإخلاص، خصوصاً هذه الألفاظ التي هي أمس بهذا المقام" (١).
قوله: "أطعم ربك، وضئ ربك" أمر للمملوك بإطعام سيده وتوضئته. وعلة النهي: ما في ذلك من المضاهاة؛ فإن كلمة الرب، وإن كانت تطلق بمعنى: السيد، إلا أنها تطلق بمعنى الخالق. قوله: "وليقل: سيدي" الخطاب للمملوك، لأن السيادة عند الناس معناها: الرئاسة، وهي سيادة نسبية، فإنها سيادة على من تحت يده. فثمة فرق عند الإطلاق بين لفظ الرب والسيد:
١ - فإن (الرب) اسم من أسماء الله الحسنى باتفاق العلماء، وأما (السيد) فقد اختلف هل هو من أسماء الله الحسنى أم لا؟ وهو إن لم يأتِ به الكتاب، ولكنه مأثور عن النبي ﷺ، فإنه قد صح عنه أنه قال: "السيد الله" (٢)، فالراجح: أنه من أسماء الله.
٢ - أن لكلمة (الرب) وقعاً عظيماً في حس المخاطبين، بخلاف كلمة السيد.
ومع هذا يقع في الاسمين (الرب) و (السيد) اشتراك، فيطلقان على الخالق والمخلوق؛ كما قال تعالى: ﴿أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا﴾ [يوسف: ٤١] وقال النبي ﷺ للأنصار: "قوموا إلى سيدكم" (٣)، وكقوله ﷺ في حديث أشراط الساعة: "إذا ولدت الأمة ربها" (٤)، وأما راوية: "ربتها" (٥)، فقد قال شيخنا ﵀: (لا إشكال فيه، لوجود تاء التأنيث، فلا اشتراك مع الله في اللفظ؛ لأن الله لا
(١) القول السديد شرح كتاب التوحيد، للسعدي (ص: ١٨٧). (٢) أخرجه أبو داود في كتاب الأدب، باب في كراهية التمادح برقم (٤٨٠٦)، والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٠٠٥)، وأحمد برقم (١٦٣١٦)، وصححه الألباني. (٣) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب إذا نزل العدو على حكم رجل برقم (٣٠٤٣) ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد برقم (١٧٦٨). (٤) أخرجه البخاري في الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ برقم (٤٧٧٧) ومسلم في الإيمان، باب معرفة الإيمان … ، برقم (٩) وهذا لفظ مسلم .. (٥) أخرجه البخاري في التفسير، باب إن الله عنده علم الساعة برقم (٤٧٧٧) ومسلم في (الإيمان، باب معرفة الإيمان) برقم (٨)