٧ - أنه ينبغي لمن سد باباً من الحرام أن يفتح باباً من الحلال، فلما نهاهم النبي ﷺ عن هاتين الصيغتين:"والكعبة" و "ما شاء الله وشئت"، فتح لهما باباً آخر، وهو البدل بأن يقولوا:"ورب الكعبة" و "وما شاء الله ثم شئت". مثال ذلك:: لو استفتاك إنسان يريد تمويلاً، هل يجوز أن أقترض بفائدة؟ فلا ريب أنك ستنهاه، وتقول: أكل الربا من السبع الموبقات، لكن افتح له باباً آخر، ومره بالتكسب، أو القرض الحسن، إن تيسر له، فإن لم يجد، فمره بالتورق، بأن يشتري سلعةً من مالكها، بثمن مؤجل، أعلى مما هو عليه نقداً، ثم يقوم ببيعها؛ لا على من اشتراها منه، ولا على وسيطه، ولكن يبيعها على الناس، ويقبض ثمنها، ويرتفق به، ويقضي حاجته، ويقوم بسداد ما عليه إلى أجل. فينبغي للمفتي أن يتفطن لهذا المعنى. على أن من المنهيات ما لا يكون له بدل، فيتعين اجتنابها، كما قال النبي ﷺ:"ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم"(١).
٨ - إثبات المشيئة لله، واثبات المشيئة للعبد، وفي هذا رد على طرفي الضلالة في باب أفعال الله، وهما: القدرية الذين ينكرون مشيئة الله ﷿، والجبرية: الذين ينكرون مشيئة العبد، فكان الوسط: إثبات مشيئة للمخلوق، تابعة لمشيئة الله، كما قال الله ﷿: ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٨، ٢٩].
قوله:"وله أيضاً، عن ابن عباس: أن رجلاً قال للنبي ﷺ: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده" " هذا الحديث قد رواه النسائي، ورواه أيضاً الإمام أحمد، وابن ماجه، وهو حديث صحيح. وقول النبي ﷺ للرجل:"أجعلتني لله نداً؟ " استفهام خرج مخرج الإنكار، ومعنى:"نداً" أي: عِدلاً وشريكاً، ولا شك أن الرجل لم يرد ذلك، وإن كان قد وقع فيه، وهذا يدل على أنه ربما قال الإنسان كلمة الكفر، ولا يكون بها كافراً، وربما فَعَلَ الكفر ولا يكون بفعله كافراً، وذلك لقيام مانع من الموانع، كالجهل وغيره.
(١) أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله ﷺ برقم (٧٢٨٨) ومسلم في كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر. وفي كتاب الفضائل، باب توقيره ﷺ وترك إكثار سؤاله مما لا ضرورة إليه … برقم (١٣٣٧).