والمراد به: أبو طالب؛ لكنها تشمل من سواه، فإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قوله: ﴿لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ دلت على نفي الهداية عنه ﷺ، ودل قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] على إثباتها له! والجمع بينهما أن يقال:
إن الهداية المنفية في قول الله ﷿: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ هداية التوفيق والإلهام، فهي خالصة لله ﷿؛ لأنها متعلقة بمشيئته، وحكمته، وربوبيته، لا يشاركه أحد سواه، كقوله ﷿: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النحل: ٩٣].
والهداية المثبتة في قول الله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢] هداية الدلالة والإرشاد والتعليم والبيان، وهذه ثابتة للنبي ﷺ، ولسائر الأنبياء، والعلماء، والدعاة، والمربين، وكل من كان على هدى، ودعا إليه. ويدل عليها، أيضاً، قول الله تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، فهذه هداية دلالة وإرشاد؛ لأنها لو كانت هداية توفيق وإلهام لاستجابوا وآمنوا، لكنهم استحبوا العمى على الهدى، فدل على أن الهداية التي هُدوا إليها هي هداية البيان والدلالة والإرشاد.
وهذا أمر مشاهد: فتجد أن الأب -مثلاً- يعظ ابنه وينصحه ويقول له: ﴿وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾، ومع هذا يأبى، ويقول: ﴿مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [الأحقاف: ١٧] فهداية الدلالة والبيان والإرشاد والتعليم، تقع من أهلها من الأنبياء، والعلماء، والدعاة، والمربين، والناصحين، والمحتسبين، وأما دلالة التوفيق والإلهام، فهي مما يختص الله تعالى به.
قوله: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ أي: من أراد الله به خيراً، قال الله ﷿: ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ﴾ [الأنعام: ١٢٥] فالشرح: والضيق أمور إلهية سماوية بيد الله تعالى.
قوله: ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أي: هو سبحانه أعلم بمن يستحق الهداية، ممن لا يستحق.