الاستعاذة: الهرب من شيء مخوف إلى من يؤمنه منه، كأن يرى الإنسان مثلاً سبعاً، فيهرب منه، ويدخل بيتًا يتقي به، أو يطارده عدو، فيلجأ إلى قسم الشرطة، ونحوه، قال الشاعر مفرِّقاً بين العياذ واللياذ:
وهذا لا ينبغي إلا لله ﷿، ولا يجوز أن يقال في حق مخلوق، وإن كان قائله ربما قاله في حق مخلوق، لكنه لا يصح إلا لله. فقوله:"يا من ألوذ به فيما أؤمله" دل هذا على أن اللياذ يكون في الأمور المطلوبة المحبوبة. و"ومن أعوذ به مما أحاذره" دل على أن العياذ يكون من الأمور المخوفة المرهوبة.
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
لما كانت الاستعاذة عبادة، كان صرفها لغير الله شركًا منافيًا للتوحيد، فنبه المصنف على وجوب إفراد الله بالاستعاذة فيما لا يقدر عليه إلا هو.
قوله: ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ [الجن: ٦] هذه الآية جاءت في سياق خبر الجن الذين لقوا النبي ﷺ، كما قال الله ﷿: ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾ [الجن: ١، ٢]، فهؤلاء قوم مؤمنون من الجن لقوا النبي ﷺ، واستمعوا إلى القرآن، وفرحوا به، ثم صاروا يخبرون بحالهم، فأوحى الله إلى نبيه بما قالوا. ولهذا ينبغي للإنسان أن يميز ما يقال بشأن الجن بين الحق والباطل، والظن واليقين، فإن الناس ما زالوا يخوضون في أمر الجن، فيزيدون وينقصون، ويحكون الأساطير والخرافات، والظن لا يغني من الحق شيئاً، فالحق هو ما ذكره الله تعالى في كتابه، أو ذكره نبيه ﷺ في سنته، وفيهما غنية وكفاية، أما ما يتداوله الناس، ويتحدثون به في مجالسهم وأسمارهم، فلا تصدق ولا تكذب.
فمن قرأ سورة الجن تبيّن له أن الجن خَلْقٌ من خلْق الله، يعتريهم ما يعتري