للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقولون: نحن أهل الإسلام، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وهم مشركون! فربما كان الأصل في الإنسان الإسلام، ثم بدر منه ما يخرجه عن حده، بالوقوع في الشرك، فلا ينفعه وصفه الأول إذا انسلخ منه، وتخلى عنه، كما وقع لذلك الرجل.

الثانية عشرة: فيه شاهد من الحديث الصحيح: "الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" (١).

لأن هذا الأمر جرى في مقام واحد، وفي زمن واحد، حيال أمر واحد، فهذا أوصله إلى الجنة، وهذا أوصله إلى النار، بأمر يسير سهل، فهذا يدل على قرب كل منهما، وهذا القرب قرب سبب. وهذا كثير، حتى أن الكلمة الواحدة تؤثر تأثيراً بليغاً عظيماً، كما جاء في الحديث أن النبي قال: "إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم" (٢)، وفي بعض الألفاظ: "ما يظن أن تبلغ ما بلغت" (٣). فينبغي للإنسان أن يتوقى من الأمور التي تبدو له صغيرة، فقد يرضى الله على عبده بسبب كلمة، وقد يسخط عليه بسبب كلمة.

الثالثة عشرة: معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأصنام.

استنبط المصنف هذا المعنى العظيم من كون أصحاب ذلك الوثن أقاموا خِفارة على الطريق، بحيث لا يتجاوز أحد صنمهم إلا مقرباً، حتى قبلوا أن يقرب له ولو ذبابًا، مع أن الذباب لا طائل من ورائه، ولن ينتفع أحد بقتله،


(١) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك برقم (٦٤٨٨).
(٢) أخرجه بهذا اللفظ البخاري في كتاب الرقاق، باب حفظ اللسان برقم (٦٤٧٨).
(٣) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة برقم (٣٩٦٩) والترمذي ت شاكر في أبواب الزهد، باب في قلة الكلام برقم (٢٣١٩) وصححه الألباني.

<<  <  ج: ص:  >  >>