فأشار أمين الدولة على الصالح إسماعيل بتولية رفيع الدين قاضيا للقضاة (١)، وهكذا ارتفعت منزلة رفيع الدين في دمشق بعد خمول.
وكان أمين الدولة قد وضع خبرته وذكاءه وحنكته السياسية في خدمة سيده الصالح إسماعيل، وكان الصالح إسماعيل لا يرضيه مثل المال، وقد مد عينيه إلى أموال رعيته لا يحجزه عنها حاجز، وفي سبيل إشباع نهمه اشتد أمين الدولة بمصادرة أملاك أهل دمشق، ووجد في القاضي رفيع الدين خير معوان على هذه المهمة، فاتخذه أداة في ذلك (٢).
وأظهر رفيع الدين حرصا على امتلاك المال لا يقل عن حرص صاحبيه، ومن ثم شهدت دمشق في تلك الفترة حملة منظمة لإفقار أهلها، وتوسل رفيع الدين في سبيل ذلك بفنون من المكر والخديعة، فقد اتخذ شهود زور ووكلاء، فكان يستدعي إلى مجلس قضائه الرجل الثري، فيثبت عليه مدع ألف دينار، ويحضر شهود الزور، فيشهدون عليه بذلك، فيسقط في يد الرجل، ويتحير، وهنا يظهر رفيع الدين بمظهر القاضي النصوح الشفوق، فيقول للثري المتحير: صالح غريمك. فيجدها الرجل فرصة للخلاص من السجن، فيصالح على النصف، وهو لا يكاد يصدق أنه قد نجا حقا من هذه المحنة (٣).
حتى مال الأيتام لم يكن بنجوة من جشع هذا القاضي، فقد كتب إلى نوابه القضاة بإحضار ما تحت أيديهم من أموال اليتامى (٤).
وكان لا يحكم بين الناس إلا بمال يأخذه جهرا من الخصمين، ولم يكتف