للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولم تكن دمشق في تلك الأيام قد استتب أمرها لواليها الجديد، الذي أظهر ميله إلى الاستقلال عن مصر، مما أغضب العادل الثاني بن الكامل، فاستدعى أولاد شيخ الشيوخ الأربعة: فخر الدين، وعماد الدين، ومعين الدين، وكمال الدين، وقال لهم معاتبا: أنتم ضيعتم علي ملك دمشق، فإن أبي الكامل فتحها، وهو مالكها، فسلمتم دمشق وخزائن أبي إلى الجواد، فتغلب على دمشق، وضيع الخزائن، وما أعرف عود دمشق إلي، وانتزاعها من يد الجواد إلا منكم.

وعرف عماد الدين أن العادل يعنيه، لأنه هو الذي مال إلى الجواد وعينه، فضمن للعادل رجوع دمشق إليه.

وعاد عماد الدين من القاهرة إلى دمشق، ولما وصل التقاه الجواد، وأنزله في القلعة تكريما له، واطمئنانا إليه، فطالبه عماد الدين بتسليم دمشق إلى العادل، مهددا إياه بمجيء العساكر المصرية إليه واعتقاله إن أبي، أما إن قبل فسيعطيه العادل إقطاعا جيدا بالديار المصرية، ويحسن إليه.

فراوغ الجواد في الجواب، وراح يدبر مساومة تكون أرجح في ميزان الربح، فهو يعلم حقا أن لا طاقة له بقتال العادل، ولذلك إن سلم له دمشق فلن يعطيه إلا إقطاعا صغيرا بالديار المصرية لن يرضي طموحه بعد أن ذاق لذة الملك، ويعلم أن الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل غير راض عما آل إليه من ملك أبيه، وأنه يمد عينيه إلى القاهرة، فماذا لو عرض عليه دمشق نكاية بالعادل، على أن يعوضه عنها سنجار والرقة وعانة؟ وحين استوى له هذا الرأي سارع بإرسال خطيب جامع دمشق كمال الدين بن طلحة (١) إلى الصالح أيوب يعرض عليه دمشق، فما كان من الصالح أيوب إلا أن أجابه على الفور، فقد أتاه الفرج من حيث لا يحتسب، وحلف لابن عمه الجواد على العوض المذكور (٢).


(١) تولى خطابة جامع دمشق بعد وفاة خطيبه جمال الدين الدولعي، وخطب يوم الجمعة (٢١) شعبان سنة (٦٣٥ هـ/ ١٢٣٨ م)، انظر «المذيل»: ٢/ ٤٢، ٤٥.
(٢) «مفرج الكروب»: ٥/ ١٩٨ - ٢٠٠.

<<  <   >  >>