وهو أكبر كتاب وضع في هذا الفن على طريقة المحدثين، هذه الطريقة التي يأنس إليها، وقد غدا كتابه بحق تاريخ الإسلام، فلم لا يلخصه، ويهذبه، ويزيده فوائد مما تجمع لديه؟ فمن خلال عمله هذا سيطلع على تاريخ الإسلام اطلاعا شاملا، وسينقاد قلمه للكتابة فيه.
وحين استوت لديه هذه الفكرة انقطع إليها، وراح يقضي سحابة نهاره في المدرسة العادلية الكبرى مع «تاريخ دمشق» في مجلداته الثمانين، قارئا وملخصا، ومؤلفا في آن (١).
ولعله عين في نحو هذه الفترة إماما للصلاة في محراب العادلية (٢).
وأحيانا كان يختلس بعض ساعاته يقضيها في ملازمة شيوخه، ومنهم تقي الدين ابن الصلاح، الذي تصدر في منتصف شعبان سنة (٦٣٠ هـ/ ١٢٣٣ م) للتدريس في مدرسته الجديدة التي بنيت له، وهي دار الحديث الأشرفية (٣).
وفي نحو هذه الفترة شعر بحاجته إلى سكن يأوي إليه، فكان زواجه الأول الذي رزق منه بمولودة في (٢٣) شوال سنة (٦٣١ هـ/ ١٢٣٤ م) سماها أم الحسن فاطمة، ويبدو أن مزاجه في ذلك اليوم لم يكن رائقا، فقد سجل في تاريخه يوم ولادتها بعبارة صماء لا ترشح منها مشاعر الأبوة، بله الغبطة، ولا يكاد يستشف منها صلة النسب، فقد كتب: «وفيها ولدت أم الحسن فاطمة بنت عبد الرحمن بن
(١) «كتاب الروضتين»: ١/ ٢٥ - ٢٦، و «المذيل»: ١/ ١٤٢. (٢) «المذيل»: ١/ ١٤٠، ٢/ ١٢٥. (٣) جوار باب قلعة دمشق الشرقي، كانت دارا للأمير صارم الدين قيماز النجمي، وله بها حمام، فاشترى ذلك الملك الأشرف موسى بن العادل، وأمر ببنائها سنة (٦٢٨ هـ) دار حديث. وأخرب الحمام، وبناه مسكنا للشيخ المدرس بها، وجعل شيخها تقي الدين ابن الصلاح. انظر «الدارس في تاريخ المدارس»: ١/ ١٩ - ٢٠، و «مرآة الزمان» (حوادث سنة ٦٣٠ هـ) بتحقيقي.