ولا يغفل أبو شامة نقد الشعراء، فحين استفتح عمارة اليمني قصيدته الميمية في مدح الفائز بن الظاهر، ووزيره طلائع بن رزيك، بقوله:
الحمد للعيس بعد العزم والهمم … حمدا يقوم بما أولت من النعم
يقف أبو شامة عند هذه الافتتاحية قائلا:«وشعر عمارة كثير حسن، وعندي من قوله: الحمد للعيس - وإن كانت القصيدة فائقة - نفرة عظيمة، فإنه أقام ذلك مقام قولنا: الحمد لله، ولا ينبغي أن يفعل ذلك مع غير الله تعالى ﷿، فله الحمد وله الشكر، فهذا اللفظ كالمتعين لجهة الربوبية المقدسة، على ذلك اطرد استعمال السلف والخلف، ﵃»(١)
فلم يتسامح أبو شامة مع هذا التعبير الغريب برغم إعجابه بالقصيدة، وإعلانه ذلك.
ومن ثم يتضح لنا مجازفة بعض الأساتذة الكبار، ممن تصدى للتأليف التاريخي في عصرنا، حين يقول:«إن السالفين جميعا بلا استثناء ساروا على طريقة النقل من المراجع الكبيرة والصغيرة والمعاصرة وغير المعاصرة، دون رجوع إلى العقل والسنن الكونية، فضلا عن قواعد الجرح والتعديل»(٢).
وما أدري حقا كيف واتته هذه العبارة الجارحة، بهذا التعميم الذي يتنافى وأيسر قواعد المنهج العلمي القائم على الاستقراء التام، والتجوز في العبارة.
أذكر ذلك لأقول: حقا نحن بحاجة إلى مراجعة لأقوال هؤلاء الأساتذة الكبار، الذين وضعتهم منزلتهم العلمية عند بعضهم فوق النقد، ولا يمكن أن تقوم حياتنا العلمية على أسس صحيحة إذا لم نشرع أبوابها للنقد النزيه، مناقشين الأفكار غير مجرحين لأصحابها، والله الموفق.
(١) «كتاب الروضتين»: ٢/ ٣٠٤ - ٣٠٥. (٢) انظر مقدمة د. محمد مصطفى زيادة لكتاب «نور الدين والصليبيون»، تأليف د. حسن حبشي، طبعة القاهرة، دار الفكر العربي.