للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى الظاهر بيبرس أن يستغل اجتماع الجيش وقد هدأ باله من جهة التتار، ليستأنف فتوح صلاح الدين للبلاد التي استولى عليها الصليبيون بعد أن توقفت نحو أربع وسبعين سنة منذ وفاته، وقد انتهز فرصة اعتدائهم على المسلمين، فكتم عن جنده وجهته التي يريدها، وركب من العوجاء متظاهرا برغبته في الصيد بغابة أرسوف، وأغرى الأمراء بمرافقته، قائلا: إن الغابة كثيرة السباع (١).

وساق إلى أرسوف وقيسارية، فشاهدهما، ثم عاد إلى منزله بالعوجاء، وكانت أخشاب المنجنيقات قد أحضرت فأمر بصنع عدة مجانيق، ونصبها، وجلس مع الصناع يستحثهم على إنجازها، فما مضى يوم حتى كانت أربع منجنيقات كبار سوى الصغار قد اكتملت صنعا، وكتب إلى القلاع المجاورة يطلب المجانيق والصناع والحجارين، وطلب من عساكره أن يعملوا سلالم (٢).

ورحل تعمية عن قصده إلى قرب عيون الأساور قرب الرملة، فلما انتشرت العتمة بعد العشاء الآخرة أمر العسكر كله بلبس آلة الحرب، وركب في آخر الليل، وساق نحو قيسارية، فوافاها بكرة نهار الخميس (٩) جمادى الأولى سنة (٦٦٣ هـ/ ١٢٦٥ م) على حين غفلة من أهلها، فحاصرها، وألقى العساكر أنفسهم في خندقها، وتعلقوا بسكك الحديد التي للخيول على أسوارها من كل جانب، حتى صعدوا إليها. وكانت المجانيق قد نصبت، وبدأ الرمي بها، فخرقوا أبواب المدينة واقتحموها، ففر الصليبيون إلى قلعتها، وقد أخذتهم المفاجأة، وكانت قلعتها من أحصن القلاع وأحسنها (٣)، فزحف إليها المسلمون، وقذفوها بالمجانيق والدبابات والزحافات، وداوموا رمي النشاب عليها.

وكان الظاهر بيبرس أثناء محاصرة القلعة لا يقيم في مكان، فهو تارة بأعلى


(١) «الروض الزاهر»: ص ٢٢٩.
(٢) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٥٢٦.
(٣) المصدر السالف.

<<  <   >  >>