للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكرك، فنزل به يوم الخميس (٢٣) جمادى الآخرة، وتسلم قلعته في اليوم التالي، وصلى به الجمعة (١)، وكان قد قبض على صاحبه الملك المغيث بخديعة، استدرجه بها إلى الطور حيث كان ينزل في (١٢) جمادى الأولى سنة (٦٦١ هـ/ ١٢٦٣ م) متهما إياه بمكاتبة التتار (٢)، متخلصا بذلك من آخر ملك أيوبي قد يهدد سلطانه، ثم رحل عائدا إلى مصر يوم الأربعاء (٢٩) جمادى الآخرة سنة (٦٦١ هـ/ ١٢٦٣ م) فوصل إليها في (١٧) رجب، وقد زينت القاهرة أحسن زينة لاستقباله (٣).

ولربما لم يقطع عن أبي شامة سكون عزلته وهدوئها إلا ولادة مولود له يوم السبت في (٢٧) رمضان سنة (٦٦١ هـ/ ١٢٦٣ م) بدار العطافية، غربي المدرسة العادلية، فسماه محمودا، وكناه أبا القاسم، ولقبه بنور الدين، باسم السلطان العادل نور الدين محمود بن زنكي وكنيته ولقبه، عساه أن يكون مباركا صالحا عفيفا تقيا كما كان سميه (٤)، فهل كان أبو شامة يعبر بحنينه إلى نور الدين عن استيائه من الظاهر بيبرس؟ وإذا كان قد افتقد هذا الاسم وصفاته في دنيا السلاطين والأمراء، فلا أقل من أن يسمع رنينه في بيته، عساه أن يعزيه بعض العزاء، إنه ما زال يحلم بحاكم يشبهه في ورعه وتقواه وحسن سياسته، فهل يتحقق ذات يوم ما يحلم به؟

لم يكن أبو شامة يرى في الظاهر بيبرس إلا أميرا طموحا، تسنم الحكم على أشلاء المسلمين، وخاض في دمائهم، ألم يقتل السلطان تورانشاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب غداة الانتصار على الصليبيين في المنصورة (٥)؟ ألم يكن في جملة من كان مع الأمير فارس الدين أقطاي الذي هتك أعراض المسلمين،


(١) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٩١.
(٢) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٨٣ - ٤٨٢.
(٣) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٤٩٢.
(٤) «المذيل»: ٢/ ١٩٠. وانظر ص ٣٧٦ من هذا الكتاب.
(٥) انظر ص ١٦٣ - ١٦٥ من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>