للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفاة صلاح الدين، ويجعله مذيلا لكتابه «الروضتين»؟ وبذلك تكتمل الصورة التي حاول رسمها، صورة الأمل الذي عاشه الناس في الروضتين، وقد أزهرتا بحكم ملكين عادلين: نور الدين وصلاح الدين، وصورة هذا الواقع الآسن الذي عاشه وما يزال يعيشه، من صراع بين الإخوة وأبناء العم على الثريد الأعفر، متناسين الصليبيين، هذا الخطر الجاثم على القلوب، بل إنهم في صراعهم المستميت راحوا يستقوون بهم، باذلين لهم البلاد، فأعطوهم فيما أعطوا بيت المقدس، درة فتوحات صلاح الدين، ومهوى أفئدة المسلمين، وقد ظلوا في صراعهم يعمهون حتى أتى أخيرا طوفان التتار من الشرق، فأغرق البلاد بالدماء وأغرقهم.

وهاهم من جاء بعدهم يعتدون على أعراض المسلمين، وينهبون أموالهم، ويحولون الانتصارات إلى مآتم ..

وبحزن شفيف يكب أبو شامة على تاريخه هذا، يستدرك فيه ما فاته تدوينه منذ سنة (٥٩٠ هـ/ ١١٩٤ م) وهي السنة التي أعقبت وفاة صلاح الدين، حتى سنة (٦١٩ هـ/ ١٢٢٢ م) معتمدا في كثير من أخباره على من سبقه من المؤرخين، ممن عاصر أحداث تلك السنين كسبط ابن الجوزي في «مرآة الزمان»، وعز الدين محمد بن تاج الأمناء ابن عساكر في مدوناته التاريخية، وعلى ما سمعه ممن أدرك تلك الفترة (١). ولم ينس أن يكتب لنفسه ترجمة موجزة في سنة ولادته (٢) (٥٩٩ هـ/ ١٢٠٣ م)، وشرع يكتب له مقدمة جديدة سماه فيها «المذيل على الروضتين» (٣).

وبينما كان أبو شامة غارقا في أوراقه توفي ابنه الصغير إسماعيل في يوم الاثنين (٣) ربيع الآخر سنة (٦٥٩ هـ/ ١٢٦١ م) وليس له من العمر سوى سنة واحدة وشهرين ونصف، وبقلب قد تمرس بالصبر يصلي عليه أبو شامة خارج باب النصر،


(١) انظر ما كتبته عن «المذيل» ص ٤٠٩ - ٤١٧ من هذا الكتاب.
(٢) «المذيل»: ١/ ١٣٦ - ١٥٣.
(٣) «المذيل»: ١/ ٥٦.

<<  <   >  >>