وكان يبلغه ما كان يكتبه عنه المعز أيبك للناصر يوسف من المكاتبات الباطلة، فرأى ألا بد له من مغادرة دمشق، فاستأذن الناصر يوسف في الذهاب إلى نابلس، وكانت إقطاعه (١).
* * *
لم يكن الملك المعز أيبك في سعيه لتثبيت حكمه في مصر، ولإلقاء هيبته في القلوب يتورع حتى عن القتل، فقد قتل خلقا كثيرا، وشنق عالما من الناس بغير ذنب اقترفوه، ليوقع في القلوب مهابته (٢)، وبرغم أنه تخلص من غريمه القوي الأمير فارس الدين أقطاي، وشتت أتباعه في البلاد، وطاردهم، وعلى رأسهم الأمير ركن الدين بيبرس وقلاوون الألفي، غير أن متاعبه لم تنته، فقد كانت زوجته شجرة الدر، وقد ذاقت خمرة السلطة، مستبدة بأمور مصر، ولا تطلعه عليها (٣)، وأخفت عنه ذخائر السلطان الصالح أيوب، بل إنها منعته حتى من الاجتماع بزوجته الأولى أم ابنه علي، وألزمته بطلاقها (٤)، فتغير عليها، وراودته نفسه على قتلها (٥)، وربما كيدا لها، وخلاصا من سلطانها بعث إلى الملك المنصور بن المظفر صاحب حماة، وإلى الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل يخطب ابنتيهما (٦).
ولم تكن شجرة الدر وهي المرأة القوية المتسلطة، صاحبة الفضل على المعز فيما وصل إليه لترضى بذلك (٧)، فأخذت تدبر في مقتله (٨)، وأرسلت نصرا
(١) «الروض الزاهر»: ص ٥٥ - ٥٦. (٢) «أخبار الأيوبيين»: ص ١٦٥. (٣) المصدر السالف. (٤) «السلوك»: ج ١/ ٢/ ق ٤٠٣. (٥) «السلوك»: ج ١/ ٢/ ق ٤٠١. (٦) «السلوك»: ج ١/ ٢/ ق ٣٩٨. (٧) «أخبار الأيوبيين»: ص ١٦٥. (٨) «السلوك»: ج ١/ ق ٢/ ٣٩٨.