ويبدو أن أبا شامة كان في ذلك الوقت في المرحلة الأخيرة من تأليفه «كتاب الروضتين»، وقد خيف أن يقعده المرض عن إتمامه، وإلى هذا أشير في القصيدة، بقوله:
فحاشا ندى التصنيف أن لا يتج من … غزير وحاشا الروضتين من المحل
وحاشا الفتاوى أن تعطل بعده … وحاشا جمال البحث يخلو من الحفل (١)
* * *
ويعود أبو شامة إلى المدرسة العادلية الكبرى، وينهمك في إتمام «كتاب الروضتين»، حتى يفرغ منه في بدايات عام (٢)(٦٤٩ هـ/ ١٢٥١ م) وقد استوفى فيه أخبار الدولتين النيرتين، دولة نور الدين محمود بن زنكي، ودولة صلاح الدين يوسف بن أيوب (٣).
وعلى الرغم من أن الكتاب قد عقده على ذكر أخبار هاتين الدولتين، فإنه وجد قلمه ينشد لسوق ما جرى بعد وفاة صلاح الدين سنة (٥٨٩ هـ/ ١١٩٣ م) من منازعات بين أولاده: الأفضل علي، والعزيز عثمان، والظاهر غازي، وأخيه العادل أبي بكر بن أيوب، فشرع يسردها حتى وصل فيها إلى سنة (٤)(٥٩٢ هـ/ ١١٩٥ م) ثم كتب في آخره مؤذنا بختامه، ومؤكدا ما كتبه في مقدمته عن غايته التي تغياها من تأليفه:«والله تعالى يوفق ملوكنا للاقتداء بسيرة سلفنا في إقامة فرض الجهاد، وتخليص البلاد من أيدي الكفرة، والنظر في مصالح العباد»(٥).
هذه هي الأمور الثلاثة التي جمعت بين نور الدين وصلاح الدين، فعاشت الأمة في ظلهما في روضتين وارفتين من عزة وأمن، فهل دعوته هذه ستلقى آذانا صاغية من ملوك عصره، وهم في نزاعاتهم يعمهون؟