هكذا إذن لم يبق للعالم في هذا الزمن كي ينجو بدينه، وقد يئس من الإصلاح إلا أن يتزهد وينقطع عن دنيا الحكام والناس.
ولا ريب أن أبا شامة كان يعيش أياما حزينة، وهو يرى جيش دمشق يخرج من أبوابها لقتال المماليك في مصر، تاركا الصليبيين يضمدون جراحاتهم عقب هزيمتهم في المنصورة.
إذ لم يمض على دخول الناصر يوسف دمشق سوى خمسة أشهر حتى كان قد أعد العدة لإعادة مصر إلى الحظيرة الأيوبية، فبعد أن تسلم القلاع المجاورة لدمشق كبعلبك وبصرى وصرخد وعجلون والسلط، تقدم بعساكره صوب غزة، ومعه الصالح إسماعيل بن العادل، حاكم دمشق القديم (١)، ووصل في آخر شوال سنة (٦٤٨ هـ/ ١٢٥١ م) إلى العريش (٢)، ثم تقدم بجيشه نحو القاهرة، ووصل إلى منزلة الكراع، وهي قريبة من الخشبي في الصحراء، حيث كان بانتظاره جيش المماليك بقيادة المعز عز الدين أيبك سلطان مصر الجديد (٣). وفي يوم الخميس (١٠) ذي القعدة سنة (٦٤٨ هـ/ ١٢٥١ م) اصطدم الجيشان واقتتلا قتالا شديدا، فانكسر المماليك أولا، وانهزم أكثرهم إلى القاهرة ومصر، وساق خلفهم بعض أمراء الناصر يوسف، وكان مع الناصر جمع كبير من مماليك أبيه العزيز، وكان هواهم مع المماليك البحرية، لأنهم أتراك مثلهم، ولكراهتهم الأمير شمس الدين لؤلؤ قائد جيش الناصر، فساقوا بأطلابهم وأصحابهم، وانضموا إلى جيش المعز، ودخلوا في طاعته، فتضعضع جيش الناصر يوسف وقد أوشك على الانتصار، وكان الناصر يوسف قد بقي في قلة من عسكره تحت سناجقه، فأشار المماليك العزيزية على المعز بأن يقصد سناجق الناصر يوسف، لعله يظفر به، فيقتله، فحمل المعز بجماعة