ثُمَّ قال سبحانه: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾ [النجم: ٣، ٤]، يُنَزِّهُ -تعالى - نُطْقَ رسولِهِ أن يَصْدُرَ عن هَوَىً، وبهذا الكمال هُدَاهُ ورُشْدُهُ.
وقال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣)﴾، ولم يقل: وما ينطق بالهَوَى؛ لأنَّ نَفْيَ نُطْقِهِ عن الهَوَى أبلغ، فإنَّهُ يتضمَّنُ أنَّ نُطْقَهُ لا يصدر عن هَوَىً، وإذا لم يَصْدُر عن هَوَى فكيف ينطق به؟ فتضمَّنَ نَفْيَ الأمرين: نَفْيَ الهَوَى عن مصدر النُّطْق، ونَفْيَهُ عن النُّطْقِ نَفْسِهِ. فَنُطْقُه بالحقِّ، ومصدَرُهُ الهُدَى والرَّشَاد، لا الغَيُّ والضلالُ.
ثُمَّ قال: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)﴾؛ فأعاد الضمير على المصدر المفهوم من الفعل، أي: ما نُطْقُهُ إلا وَحْيٌ يُوحَى.
وهذا أحسنُ من قول من جعل الضمير عائدًا إلى القرآن، فإنَّهُ يَعُمُّ نُطْقَهُ بالقرآن والسُّنَّةِ، وإنَّ كليهما وحيٌ يُوحَى.
وقد احتجَّ الشافعيُّ لذلك فقال (١): "لعلَّ من حُجَّةِ من قال بهذا قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [النساء: ١١٣] ". قال:"ولعلَّ من حُجَّته أن يقول: قال رسول الله ﷺ لأبي الزَّاني بامرأةِ الرجلِ الذي صالَحَهُ على الغنم والخادم: "والذي نفسي بيده لأَقْضِيَنَّ بينكما بكتاب الله: الغنمُ والخَادِمُ رَدٌّ عليك. . ." (٢) الحديث.
(١) "كتاب الأم" (٦/ ٣٢٩ - ٣٣٠): كتاب الفرقة بين الأزواج، باب: اللِّعَان. (٢) أخرجه: البخاري في "صحيحه" الأرقام (٢٦٩٥ - ٢٦٩٦، ٢٧٢٤ - ٢٧٢٥، =