ومن ذلك قوله - تعالى - في قصة لوط ﵇، ومراجعة قومه له: ﴿قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢)﴾ [الحجر: ٧٠ - ٧٢].
أكثر المفسِّرين من السَّلَفِ والخَلَف - بل لا يُعْرَفُ عن (٢) السلف فيه نزاعٌ - أنَّ هذا قَسَمٌ من الله بحياة رسوله ﷺ(٣). وهذا من أعظم فضائله؛ أنْ يُقْسِم الرَّبُّ ﷿ بحياتِه، وهذه مزيَّةٌ لا تُعْرَفُ لغيره.
ولم يُوَفَّق الزمخشريُّ لذلك، فصَرَفَ القَسَمَ إلى أنَّه بحياةِ لوطٍ ﵇، وأنَّه من قول الملائكة له، فقال:"هو على إرادة القول، أي: قالت الملائكة للوط ﵊: لَعَمْرُك إنَّهم لَفِي سكرتهم يعمهون"(٤).
(١) هذا الفصل برُمَّته نقله القاسمي في "محاسن التأويل" (٤/ ٤٩٣ - ٤٩٤)، معزوًّا إلى ابن القيم في "أقسام القرآن". (٢) في جميع النسخ: في، وما أثبته أحسن. (٣) وممن نقل الاجماع على ذلك: ابن العربي في "أحكام القرآن" (٣/ ١١١٨)، والقاضي عياض في "الشفا" (١/ ١١٣)، وعنهما القرطبي في "الجامع" (١٠/ ٣٩). (٤) "الكشاف" (٢/ ٥٤٧). وانتصر لهذا القول: ابن العربي المالكي في "أحكام القرآن" (٣/ ١١١٨)، فقال: "قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله هنا بحياة محمد ﷺ؛ تشريفًا له؛ إنَّ قومَهُ من قريش في سكرتهم يعمهون، وفي حيرتهم يترددون … ثم قال: وهذا كلامٌ صحيحٌ؛ ولا أدري ما الذي أخرجهم عن ذكر لوط إلى ذكر محمد، =