ومن أسرارها أنَّها تضمَّنَتْ إثبات قدرة الرَّبِّ - تعالى - على ما عَلِمَ أنَّه لا يكون ولا يفعله، وهذا على أحد القولين في قوله تعالى: ﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤)﴾ [القيامة: ٤]، فأخبر أنَّه تعالى قادرٌ عليه ولم يفعله ولم يُرِدْهُ.
وأصرحُ من هذا قوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (١٨)﴾ [المؤمنون: ١٨]، وهذا - أيضًا - على أحد القولين، أي: تَغُورُ العُيون في الأرض فلا يُقْدَرُ على الماء (١).
وقال ابن عباس:"يريد أنَّه سيغيض (٢) فيذهب"، فلا يكون من هذا الباب، بل يكون من باب القدرة على ما سيفعله.
وأصرح من هذين الموضعين قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ [الأنعام: ٦٥]، وقد ثبت عن النبيِّ ﷺ أنَّه قال عند نزول هذه الآية:"أَعُوذُ بِوَجْهِك"(٣)، ولكن قد ثبت عنه
(١) فيكون هذا من باب الوعيد والتهديد، "أي: كما قدرنا على إنزاله فنحن قادرون على أن نذهب به بوجهٍ من الوجوه". "فتح القدير" (٣/ ٥٣٨). وأهل التفسير لا يكادون يعدلون عن هذا الوجه في تأويل الآية، كما في قوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ (٣٠)﴾. انظر: "جامع البيان" (٩/ ٢٠٦)، و"الجامع" (١٢/ ١١٢)، و"تفسير ابن كثير" (٥/ ٤٧٠). (٢) من (ح) و (م)، وفي باقي النسخ: يستغيض. وغاضَ الماءُ يَغيضُ غَيْضًا: إذا قَلَّ ونَقَص أو غاب في الأرض. "لسان العرب" (١٠/ ١٥٧). (٣) أخرجه البخاري في "صحيحه" رقم (٤٦٢٨، ٧٣١٣، ٧٤٠٦) من حديث =