وهذا أيضًا من لطفه ورحمته بخلقه أنه قادر على تعذيبهم، بسبب كفر بعضهم به، وعبادتهم معه غيره، وهو مع هذا يحلم ويصفح، ويؤجل ولا يعجل، كما قال: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ وقال هاهنا: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ﴾، أي: تذهب وتجيء وتضطرب، ﴿أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيكُمْ حَاصِبًا﴾، أي:[ريحًا فيها حصباء تدمغكم][١]، كما قال: ﴿أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا﴾. وهكذا توعدهم هاهنا بقوله: ﴿فَسَتَعْلَمُونَ كَيفَ نَذِير﴾ أي: كيف يكون إنذاري وعاقبة من تخلف عنه، وكذب به.
ثم قال: ﴿وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أي: من الأمم السالفة، والقرون الخالية، ﴿فَكَيفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ أي: فكيف كان إنكاري عليهم، ومعاقبتي لهم؟ أي: عظيمًا شديدًا أليمًا.
ثم قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ﴾ أي: تارة يصففن أجنحتهن في الهواء، وتارة تجمع جناحًا، وتنشر جناحًا، ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾، أي: في الجو ﴿إلا الرَّحْمَنُ﴾، أي: بما سخر لهن [٢] من الهواء، [][٣] من رحمته ولطفه، ﴿إِنَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ بَصِيرٌ﴾، أي: بما يصلح كل شيء من مخلوقاته. وهذه كقوله: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إلا اللَّهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.