وقوله: ﴿وكفى الله المؤمنين القتال﴾، أي: لم يحتاجوا إلى منازلتهم ومبارزتهم حتى يجلوهم عن بلادهم؛ بل كفى الله وحده [١]، ونصر عبده، وأعز جنده؛ ولهذا قال رسول الله،ﷺ:"لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيء بعده". أخرجاه من حديث أبي هريرة (٤٨).
وفي الصحيحين (٤٩) من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن أبي أوفى قال: دعا رسول الله، ﷺ، على الأحزاب فقال:"اللهم، منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب، اللهم، اهزمهم وزلزلهم".
وفي قوله: ﴿وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَال﴾ - إشارة إلى وضع الحرب بينهم وبين قريش، وهكذا وقع بعدها، لم يغزهم المشركون بل غزاهم المسلمون في بلادهم.
قال محمد بن إسحاق (٥٠): لما انصرف أهل الخندق عن الخندق؛ قال رسول الله، ﷺ فيما بلغنا-: "لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا، ولكنكم تغزونهم [٢] ". فلم تغز قريش بعد ذلك، وكان هو يغزوهم بعد ذلك، حتى فتح الله عليه مكة.
وهذا الحديث الذي ذكره محمد بن إسحاق، حديث صحيح، كما قال الإمام أحمد (٥١):
حدثنا يحيى، عن سفيان حدثني أبو إسحاق قال [٣]: سمعت سليمان بن صُرَد يقول: قال رسول الله، ﷺ، يوم الأحزاب:"الآن نغزوهم ولا يغزونا".
وهكذا رواه البخاري في صحيحه من حديث الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق به.
(٤٨) - صحيح البخاري في المغازي، باب غزوة الخندق وهي الأحزاب حديث (٤١١٣)، وصحيح مسلم في الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث (٢٧٢٤) من طريق أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة. (٤٩) - صحيح البخاري في الجهاد والسير، باب: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة، حديث (٢٩٣٣)، وفي المغازي، باب غزوة الخندق، حديث (٤١١٥)، وفي الدعوات، باب: الدعاء على المشركين، حديث (٦٣٩٢)، وفي التوحيد، باب: قوله تعالى: ﴿أنزله بعلمه والملائكة يشهدون﴾، حديث (٧٤٨٩)، ومسلم في الجهاد والسير، باب: استحباب الدعاء والنصر عند لقاء العدو، حديث (١٧٤١) (٢١) من طريق إسماعيل بن أبي خالد به. (٥٠) - سيرة ابن هشام (٣/ ٢٠٦) ورواه البيهقي في دلائل النبوة بسنده إلى ابن إسحاق. (٥١) - المسند (٤/ ٢٦٢)، (٦/ ٢٩٤)، وأخرجه البخاري في المغازي، كتاب غزوة الخندق، حديث (٤١٠٩، ٤١١٠) من طرق عن أبي إسحاق به.