أمرٍ شرعي، وإنما هو إخبار عن الواقع المعتاد الذي جرى على ألسنة الشعراءِ والناس، فإنهم كانوا يقدِّمون اسمَ الميِّت على الدُّعاء، كما قال (ق/ ١٥٩ أ) قائلهم (١):
عَليكَ سلامٌ مِنْ أميرٍ وباركَتْ ... يا اللهِ في ذاكَ الأدِيْمِ المُمَزَّق
وهذا أكثر -في أشعارهم- من أن نذكره هاهنا، والإخبار عن الواقع لا يدل على جوازه فضلًا عن كونه سُنَّة، بل نهيه عنه مع إخباره بوقوعه يدلُّ على عدم مشروعيته، وأن السنة في السلام تقديم لفظه على لفظ المسلَّم عليه في السلام على الأحياءِ وعلى الأموات، فكما لا يُقال في السلام على الأحياء:"عليكم السلام"، فكذلك لا يقال في سلام الأموات، كما دلَّت السنة الصحيحة على الأمرين، وكأن الذي تخيَّله القومُ من الفرق أنَّ المسلِّم على غيره لما كان يتوقع الجواب، وأن يقال له:"وعليك السلام"، بدؤوا باسم السلام على المدعوِّ له توقُعًا لقوله:"وعليك السلام"، وأما الميت فلما لم يتوقَّعوا منه ذلك، قدموا المدعوَّ له على الدعاء، فقالوا:"عليك السلام".
وهذا الفرقُ لو صحَّ كان دليلًا على التسوية بين الأحياء والأموات
(١) هو عَبْدَة بن الطبيب، من أبياتٍ يرثى بها قيس بن عاصم، انظر: "حماسة أبى تمام": (١/ ٣٨٧). (٢) البيت للشمَّاخ بن ضرار، "ديوانه": (ص/ ٤٤٨)، و"حماسة أبى تمام": (١/ ٥٤٠).