يتعاقب الأفراد أن على الدوام شيئًا بعد شيءٍ، كان لفظ الجمع أولى بها لدلالته على المعنى المقصود بها، ولهذا جاءت في القرآن كذلك في قوله تعالى:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ}[هود: ٧٣] فأفردَ الرحمةَ وجمعَ البركةَ، وكذلك في السلام في التشهد:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته".
فصل
واعلم أن الرحمة والبركة المضافتين إلى الله -تبارك وتعالى- نوعان:
أحدهما: مضاف إليه إضافة مفعول إلى فاعله.
والثاني: مضاف إليه إضافة صفة إلى الموصوف بها.
فمن الأول قوله في الحديث الصحيح:"احْتَجَّتِ الجنةُ والنَّارُ" فذكر الحديث، وفيه:"فقال للجنةِ: إنَّما أنْتِ رَحْمتي أرْحم بكِ منْ أشَاءُ"(١)، فهذه رحمة: مخلوقة مضافة إليه إضافة المخلوق بالرحمة إلى الخالق تعالى، وسماها رحمةً؛ لأنها خُلِقت بالرحمة وللرحمة، وخُصَّ بها أهل الرحمة، وإنما يدخلها الرّحماء، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خلقَ الله الرَّحمةَ يومَ خَلَقها مائةَ رحمة كلُّ رحمة منها طِبَاق ما بينَ السَّماء والأرض"(٢) ومنه قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا
(١) أخرجه مسلم رقم (٢٨٤٦ و ٢٨٤٧)، من حديث أبى هريرة وأبى سعيد -رضي الله عنهما-. (٢) أحرجه مسلم رقم (٢٧٥٣ - وما بعده) من حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- ولفظه: "إن الله خلَق يوم خَلَق السماوات والأرض مئة رحمة، كل رحمة طِباق ما بين السماء والأرض ... " الحديث. والحديث بنحوه أخرجه البخارى رقم (٦٠٠٠) ومسلم رقم (٢٧٥٢) من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه-.