وإذا قلتَ:"ما جاءَني زَيْدٌ بل عَمْرٌو" فله معنيانِ:
أحدهما: أنك نفيتَ المجيءَ عن زيدٍ وأثبتَّهُ لعَمرو، وهذا قولُ الأكثرينَ.
الثاني: أنكَ نفيتَ المجيءَ عنهما معًا فنسبتَ إلى الثاني حكمَ الأوَّلِ، وأنت حكمتَ على الأوَّل (١) بالنفيِ، ثم نسبتَ هذا الحكمَ إلى الثاني.
والتحقيقُ في أمرِ هذا الحرفِ: أنه يُذْكَرُ لتقرير ما بعدَهُ نفيًا كان أو إثباتًا، فالنظرُ فيه في أمرينِ: فيما قبلَهُ، وفيما بعدَهُ، ولما لم يفصِلْ كثيرٌ من النُّحَاةِ بين هذينِ النظرينِ، وَقَعَ في كلامِهم تخليطٌ كتيرٌ في معناه، فنقول:
أما حكمُ ما بعدَهُ فالتَّقريرُ والتَّحقيقُ، وهو شبيهٌ بمصحوبِ "قد"، وتجريدُ العنايةِ بالكلامِ إلى ما بعدَهُ أهمُّ عندهم من الاعتناءِ بما قَبْلَهُ، فقوله تعالى:{بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[الأعلى: ١٦] المقصودُ (٢) تقريرُ هذه الجملةِ الإضرابُ عن قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: ١٤ - ١٥]، وكذلك قوله {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}[الفجر: ١٧] المقصود تقريرُ هذا النفيِ (٣) وتحقيقُه لا الإضرابُ عن