في حديث عبد الله بن جحش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب له كتابًا وأمره أن لا يقرَأهُ حتى يسيرَ يومين، وأن عبد الله امتثلَ أمرَه ففتح الكتاب بعد اليومين، فقرأه .. الحديث (١).
فيه من الفقه: جوازُ الشهادة على الكتاب الذي لا يُدْرَى ما فيه، بل إذا قال: هذا كتابي فاشهدْ عليَّ بما فيه، جازت الشهادةُ، وهي مسألةُ خلاف مشهورة، وتسمى:"شهادة التقليد"، ويدلُّ عليها أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث كتبه إلى الملوك والنَّواحي ولا يقرؤها على من يبعثُها معه، بل يقول:"هذا كِتَابِي فَأَوْصِلْهُ إلى فُلانٍ"، وكذلك عمل به خلفاؤُه من بعده.
وفيه: جوازُ تراخي القبولِ عن الإيجاب، فإنَّ في الكتاب:"أن اقرأه ولا تُكْرِهْ أحدًا، فمن أجابك فامضِ به حتى تنزلَ نَخْلَةَ".
وفيه مسألةٌ بديعة (ق/٢٨٧ أ) وهي: جواز العقد والتَّوْليَة على أمرٍ مجهولٍ حالَ العقد، يتبيَّنُ في ثاني الحال.
فائدة
قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أنشدته قُتَيْلَةُ بنتُ الحارث شِعْرَها المعروفَ، ترثي به أخاها النَّضْر:"لو سَمِعْتُ هذا قَبْلَ قَتْلِهِ لمْ أَقْتُلْة"(٢)، ليس
(١) أخرجه ابن جرير: (٢/ ٣٦٠)، والبيهقي: (٩/ ٥٨ - ٥٩) وغيرهم عن عروة مرسلاً، وله شواهد. (٢) أخرجه الزبير بن بكار -كما في "الإصابة": (٤/ ٣٨٩ - ٣٩٠) -، وابن عبد البر =