بحسب المعنى؛ فإذا كان السِّياق يقتضي القبول عُدِّي بـ "من"، وإذا كان (ق/١١٨ أ) يقتضي الانقياد عُدِّي باللام، وأما سَمْع الإجابة فيُعَدَّى باللام، نحو: سمع الله لمن حمده، لتضمُّنه معنى استجابَ له، ولا حَذْف هناك وإنما هو مضمن، وأما سَمْع الفهم فيتعدَّى بنفسه، لأن مضمونَه يتعدَّى بنفسه.
فصل (١)
ومما يتعلق بهذا قولهم:"قرأتُ الكتابَ واللوح" ونحوهما مما يتعدَّى بنفسه، وأما:"قرأتُ بأم القرآن" و"قرأت بسورة كذا"، كقوله [صلى الله عليه وسلم]: "لا صلاةَ لمنْ لَم يَقْرأ بفاتحةِ الكتابِ"(٢)، ففيه نكتة بديعة قلَّ من يتفطَّنُ لها، وهي أن الفعل إذا عُدِّي بنفسه فقلت: قرأتُ سورةَ كذا، اقتضى اقتصاركَ عليها لتخصيصها بالذِّكر، وأما إذا عُدِّيَ بـ "الباء"، فمعناه: لا صلاة لمن لم يأت بهذه السورة في قراءته أو في صلاته، أي: في جملة ما يقرأ به، وهذا لا يعطي الاقتصار عليها، بل يُشْعر بقراءة غيرها معها، وتأمَّل قولَه في الحديث:"كان يَقْرأ في الفَجْر بالسِّتين إلى المِئَة"(٣) كيف تجد المعنى أنه يقرأُ فيما يَقْرأُ به بعد الفاتحة بهذا العدد، وكذلك قوله:"قرأ بالأعراف"(٤)، إنما هي
(١) "نتائج الفكر": (ص/٣٤٥). (٢) أخرجه البخاري رقم (٧٥٦)، ومسلم رقم (٣٩٤) من حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-. (٣) أخرجه البخاري رقم (٥٤١)، ومسلم: (١/ ٤٤٧ رقم ٢٣٧) من حديث أبي بَرْزة الأسلمي -رضي الله عنه-. (٤) أخرجه البخاري رقم (٧٦٤) من حديث زيد بن ثابت قال: "سمعت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بِطوْلَى الطولَيَيْن" أي: في المغرب. =