قلت: فِعْل السمع يُرَاد به أربعة معان: أحدها: سَمْع إدراك ومتعلَّقه الأصوات. الثاني: سمع فَهْم وعَقْل ومتعلَّقه المعاني. الثالث: سمع إجابة وإعطاء ما سئل. الرابع: سَمْع قبول وانقياد (١).
فمن الأول:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}[المجادلة: ١] و {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا}[آل عمران: ١٨١]، ومن الثاني قوله:{لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا}[البقرة: ١٠٤] ليس المراد به سمع مجرَّد الكلام (٢)، بل سَمْع الفهم والعقل، ومنه:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[البقرة: ٢٨٥]، ومن الثالث:"سمع الله لمن حمده"، وفي الدعاء المأثور:"اللهم اسمع"(٣)، أي: أجب وأعط ما سألتك، ومن الرابع قوله تعالى:{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}[المائدة: ٤٢] أي: قائلون له منقادون غير منكرين له. ومنه على أصح القولين:{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ}[التوبة: ٤٧] أي: قابلون ومنقادون، وقيل: عيون وجواسيس، وليس بشيءٍ، فإن العيون والجواسيس إنما تكون بين الفئتين غير المختلطتين، فيحتاج إلى الجواسيس والعيون، وهذه الآية إنما هي في حَقّ المنافقين (ظ/٩٥ أ)، وهم كانوا مختلطين بالصحابة بينهم، فلم يكونوا محتاجين إلى عيونٍ وجواسيس. وإذا عُرِفَ هذا فسمع الإدراك يتعدَّى بنفسه، وسمع القَبول يتعدَّى باللام تارة وبمن أخرى، وهذا
(١) (ظ ود): "وإيثار". (٢) سقطت من (ق). (٣) لعل المراد ما أخرجه أبو داود رقم (١٥٠٨)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" رقم (١٠١)، وأحمد في "المسند": (٤/ ٣٦٩) في حديث طويل وفيه: " ... ذا الجلال والإكرام اسْمَع وَاسْتَجب ... " من حديث زيد بن أرقم -رضى الله عنه- وفي سنده داود الطُّفَاوي مُتكلَّم فيه.