آلُ المُهَلَّبِ جَذَّ اللهُ دابِرَهُمْ ... أَمْسَوا رَمِيمًا فلا أَصْلٌ ولا طَرَفُ
فهذا الاعتراضُ على هذا المسلكِ.
فصل
المسلك الثاني: أن "قريبًا" في الآية من باب تأويل المؤنث بمذكر موافق له في المعنى كقول الشاعر (٢):
أرى رجلاً منهم أَسِيفًا كأنَّما ... يَضُمُّ إلى كَشْحَيْهِ كَفًا مُخَضَّبا
فكفٌّ مؤنَّثٌ، ولكن تأوَّلَه بمعنى عُضْو وطَرَف، فذكر صفتَه، فكذلك تُتأوَّلُ الرحمة وهى مؤنثة بالإحسان، فيذكر خبرها. قالوا: وتأويلُ الرحمة بالإحسان أولى من تأويل الكفِّ بعضوٍ لوجهين:
أحدهما: أن الرحمةَ معنًى قائمٌ بالرَّاحم، والإحسان هو بِرُّ المرحوم، ومعنى القُرْب في البر من المحسنين أظهرُ منه في الرحمة.
الثاني: أن ملاحظة الإحسان في الرَّحمة الموصوفة بالقُرْب من المحسنين، هو مقابل الإحسان (٣) الذي صدر منهم، وباعتبار المقابلة ازداد المعنى قُوَّةً، واللفظُ جزالةً، حتى كأنه قال: إن إحسان الله قريبٌ من أهل الإحسان، كما قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)} [الرحمن: ٦٠] فذكر "قريبًا" ليفهم منه أنه صفةٌ
(١) "ديوانه": (ص / ٣٠٨)، وفيه: "أمسو رمادًا". (٢) هو: الأعشى "ديوانه": (ص/ ٦٠). (٣) من قوله."في الرحمة الموصوفة ... " إلى هنا سقط من (ظ)، وفي (ع): "بالرحمة ... هو مقابلة للإحسان".