وهذا بخلاف قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)}، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)}، فإن هذا أمر محض بإنشاء الاستعاذة لا تبليغ لقوله:"أعوذ برب الناس"(١)، فإن الله لا يستعيذ من أحدٍ وذلك عليه محال، بخلاف قوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)}، فإنه خبر عن توحيده، وهو -سبحانه- يخبر عن نفسه بأنه الواحد الأحد، فتأمَّل هذه النكتة البديعة، والله المستعان (٢).
فصل
وأما السؤال الثامن عشر: وهو نهي النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من قال له:"عليك السلام" عن ذلك، وقال:"لا تقُلْ عليكَ السلامُ، فإن عليكَ السلامُ تحيةُ المَوْتَى"(٣)، فما أكثرَ من ذهبَ عن الصواب في معناه وخَفِيَ عليه مقصودُه وسرُّه، فتعسَّف ضروبًا من التأويلات المستنكرة الباردة، وردَّ بعضُهم الحديثَ، وقال: قد صحَّ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في تحية الموتى:"السَّلامُ عَلَيْكُم دارَ قومٍ مُؤْمِنِين"(٤)، قالوا: وهذا أصحّ من حديث النهي، وقد تضمَّن تقديم ذلك لفظ "السلام" فوجبَ المصير إليه، وتوهَّمت طائفةٌ أن السنةَ في سلام الموتى أن يُقال:"عليكم السلام" فرقًا بين السلام على الأحياء والأموات.
وهؤلاء كلُّهم إنما أُتوا مِن عدم فهمهم لمقصودِ الحديث (٥)، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "عَلَيكَ السلامُ تحيةُ المَوْتَى"، ليس تشريعًا منه وإخبارًا عن
(١) (ق): {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)}. (٢) ليست في (ق). (٣) تقدم ٢/ ٦٣٠. (٤) تقدم ١/ ٨٤. (٥) انظر "معالم السنن" و"تهذيب السنن" للمصنف: (٦/ ٤٨ - ٥٠).