فأما في العبادات: فلأنه أمر بالإتيان بالمأمور به ولم يأت به؛ بل أتى بالمنهي عنه، ومن لم يأت بما أمر به فهو باق في عهدة التكليف.
وهذا معنى قولنا: النهي يدل على الفساد في العبادات (١).
وأما في المعاملات: فلأن النهي إنما ورد لدفع (٢) المفسدة [الكائنة في المنهي عنه، فلو قلنا بثبوت الملك والإذن في التصرف: لكان ذلك تقريرًا (٣) لتلك المفسدة] (٤)، والمفسدة لا يجوز تقريرها (٥).
وأما حجة القائلين بعدم اقتضائه الفساد مطلقًا:
فأما في العبادات: فلأنه لا تنافي بين قول الشارع: [صلِّ وتوضأ، وصلِّ
(١) ذكر هذا الدليل بمعناه القرافي في شرح التنقيح ص ١٧٤. وذكر المسطاسي وجهًا آخر وهو: أن المندوب لا يجزي عن الواجب، فلو صلى من التطوع ألف ركعة ما ناب له عن صلاة الصبح، وإذا لم يُجزِ المندوب عن الواجب فالمحرم أولى ألا يجزي عنه. انظر: شرح التنقيح للمسطاسي ص ٧٧. (٢) في ط: "لدرء". (٣) في ط: "تقديرًا". (٤) ما بين المعقوفتين ساقط من ز. (٥) ذكر هذا الدليل القرافي في شرح التنقيح ص ١٧٤، والمسطاسي في شرح التنقيح ص ٧٧. وذكر الباجي دليلاً آخر وهو: اتفاق الأمة على الاستدلال بالنهي الوارد في القرآن على فساد المنهي عنه، ومن ذلك استدلالهم على فساد عقد الربا بقوله تعالى: {وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة ٢٧٨] , واستدلالهم على فساد بيع الغرر بالنهي عنه. انظر: إحكام الفصول ١/ ١٣٠، ١٣١.