مخافة الفقر في ثاني الحال، وكان بعض جُفاة الأعراب، وجُهّالهم ربما يفعلون ذلك.
وقد قيل: إن الأولاد في هاتين الآيتين هم البنات، كانوا يَدفنُونهنّ أحياء، أَنَفَةً، وكبرًا، ومخافة العيلة، والْمَعَرَّة، وهي المؤودة التي ذكر اللَّه تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨ - ٩].
والحاصل أن أهل الجاهليّة كانوا يصنعون كلّ ذلك، فنهى اللَّه تعالى عن ذلك، وعظّم الإثم فيه، والمعاقبة عليه، وأخبر النبيّ - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - أن ذلك من أعظم الكبائر. انتهى (١).
(قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟، قَالَ) - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ") بِفَتْحِ الْحَاء الْمُهْمَلَة، وَزْن عَظِيمَة: والمراد زوجته الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا. وَقِيلَ: الَّتِي تَحُلُّ مَعَهُ فِي فِرَاش وَاحِد. وقال في "الفتح": هي مأخوذة من الحلّ؛ لأنها تحلّ له، فهي فَعيلة بمعنى فاعلة. وقيل: من الحلول؛ لأنها تحلّ معه، ويحلّ معها.
وقال القرطبيّ: "الحَليلة": هي التي يحلّ وطؤها بالنكاح، أو التسرّي.
و"الجارُ": هو المجاور في المسكن، والداخلُ في جوار العهد. و"تُزاني": أي تحاول الزنى، يقال: المرأة تُزاني مُزاناةَ من زَنى. والزنى وإن كان من أكبر الكبائر، والفواحش، لكنه بحليلة الجار أفحش، وأقبح؛ لما ينضمّ إليه من خيانة الجار، وهَتْك ما عظّم اللَّه تعالى ورسوله - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - من حرمته، وشدّة قبح ذلك شرعًا وعادة، فلقد كان الجاهليّة يتمدّحون بصون حرائم الجار، ويغُضّون دونهم الأبصار، كما قال عَنْتَرة [من الكامل]: