ومنها: أن جَعَلَكَ قائمًا لا تَنْكَبُّ، فكُنْ قائمًا بالحق غير مُكِبٍّ.
ومنها: أن جَعَلَ تصرفك بيديك، حتى يصل إلى فمك (١) غداؤك كما يحبه قَلْبُك، وسائر الأَكَلَةِ يحاولونه بأفواههم.
ومنها: أنه بَدَأَكَ بالنعمة قَبْلَ أن أَمَرَكَ بالخِدْمَةِ.
وقالت طائفة من العلماء:"إن قوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: ٧٠]: عَامٌّ في لفظه، خاصٌّ في معناه، ألا ترى إلى قوله تعالى في صفة الكفار: ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [الحج: ١٨]، وإنَّما أهانه بأنه امتنع من السجود له، ولم يخلق له القدرة عليه، فالكرامة في الطاعة، وغايتُها في تَتْرِيبِ الوجه ووَضْعِه - وهو أرفع عُضْوٍ - على أهون موجود؛ وهو التُّراب"(٢).
ولهذا قال النبيُّ ﷺ لمولاه أَفْلَحَ:"تَرِّبْ وجهك يا أفلح"(٣)، وانصرف هو ﷺ من الصلاة وفي وجهه الكَرِيمِ الطِّينُ (٤)، سِيمَاءٌ من السجود كريمة، على غُرَّةٍ كريمة.
فإن قيل: فإن كان أراد بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ الخصوص - وهم المؤمنون - فلم أَطْلَقَ القول (٥)؟
(١) في (ك) و (ص) و (ب): فيك. (٢) ينظر: لطائف الإشارات: (٢/ ٣٦١)، ومنه أفاد في: الأمد الأقصى - بتحقيقنا -: (١/ ٤٦٤). (٣) تقدَّم تخريجه. (٤) تقدَّم تخريجه. (٥) في (ك) و (ص) و (ب): اللفظ، ومرَّضها في (د)، والمثبت من طرته.