بينما ذهب ابنُ عطية إلى أنها لبيان الجنس، مع أن سياق كلامه يُفهم منه أنها للاستغراق والعموم، حيث قال:"ليس مدينة من المدن إلا هي هالكة". اهـ (١)
قال أبو حيان:"ولعل قوله: "لبيان الجنس" مِن الناسخ، ويكون هو قد قال: لاستغراق الجنس، ألا ترى أنه قال بعد ذلك: "وقيل: المراد الخصوص". اهـ (٢)
والصواب أن (مِن) هنا هي التوكيدية (٣)، وهي التي يسميها النحاة:(زائدة)(٤)، وتأتي غالباً في النفي؛ فتخلصه للجنس، مؤكدةً معنى العموم فيه، أي: للاستغراق (٥).
ولا يصح أن تكون لبيان الجنس، لما يلي:
١ - أن التي للبيان لا بُدَّ أنْ يتقدَّمَها مبهمٌ ما تفسّره، وهنا لم يتقدَّم شيءٌ مبهم (٦).
٢ - أنَّ شرْط البيانية أنْ يسبقها مُحلَّى بأل الجنسية، وأن يقع موقعها (الذي) كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ}[الحج: ٣٠](٧)؛ لأن المعنى: فاجتنبوا الرجسَ الذي هو وثن (٨).
* * *
(١) المحرر الوجيز (٣: ٤٦٦). (٢) تفسير أبي حيان (٧: ٧١). (٣) ينظر: معجم حروف المعاني في القرآن، لمحمد الشريف (ص: ١٠٤٠، ١٠٧٣). (٤) ينظر: الإتقان في علوم القرآن، للسيوطي (٢: ٢٩٥). (٥) ينظر: رصف المباني في شرح حروف المعاني، للمالقي (ص: ٣٢٤). (٦) ينظر: تفسير أبي حيان (٧: ٧١). (٧) ينظر: الدر المصون (٧: ٣٧٥). (٨) ينظر: منازل الحروف، للرماني (ص: ٥٠)، الجنى الداني في حروف المعاني، للمرادي (ص: ٣١٠).