ولكلٍّ دليله، فأمّا جواز هبة الصداق كله فيدل عليه ما رواه ابنُ عباس أنّ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سُئل عن هذه الآية فقال:(إذا جادَت المرأة لزوجها بالعطية غير مكرهة، لا يقضي به عليه سلطان، ولا يُؤاخِذ اللهُ به في الآخرة)(١).
فقال:(بالعطية) ولم يخصص ذلك باليسير منها.
وأمّا جواز هبة بعض الصداق فيشهد لذلك ما قاله عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه-: "إذا اشتكى أحدكم شيئًا فليسأل امرأته ثلاثة دراهم أو نحوها، فليشترِ بها عسلاً، وليأخذ مِن ماء السماء، فيجتمع هنيئًا مريئًا، وشفاءً مُباركًا". (٢)
يعني أن الله - سبحانه وتعالى- سمّى ما وهبته المرأة لزوجها هنيئًا مريئًا، وسمّى العسل شفاء (٣)، وسمّى ماء المطر مباركًا (٤).
وعليه: فقول ابن عطية بأن (مِن) تتضمن الجنس هو الراجح، واستدراك السمين عليه واحتجاجه برأي الليث بن سعد ليس في محله.
* * *
(١) رواه الثعلبي في تفسيره (٣: ٢٥٠)، ورواه الواحدي في البسيط (٢: ١١)، وذكره الزمخشري في تفسيره (١: ٤٧١)، والقرطبي في تفسيره (٥: ٢٧)، ولم أجده في كتب السنة، وفي إسناده رجل ضعيف وهو جويبر بن سعيد البلخي، وهو معدود مِن الذين يُكتب عنهم التفسير، ولا يُحمد حديثهم. ينظر: ميزان الاعتدال، للذهبي (١: ٤٢٧)، وقال عنه ابن حجر في التقريب (ص: ١٤٣): "راوي التفسير، ضعيف جدا" اهـ. (٢) تفسير ابن المنذر (٢: ٥٦٠)، تفسير ابن أبي حاتم (٣: ٨٦٢)، تفسير السمرقندي (١: ٢٨١)، تفسير السمعاني (١: ٣٩٧)، الدر المنثور، للسيوطي (٢: ٤٣٢). (٣) قال - تعالى- عن العسل: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩]. (٤) قال - تعالى-: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} [ق: ٩].::