ولما قيل للنبي -صلى الله عليه وسلم-: ادعُ على المشركين. قال:«إني لم أُبعَثْ لعَّانًا، وإنما بُعثتُ رحمةً»(١)، ومِصداق هذا قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[الأنبياء: ١٠٧].
ودعا -صلى الله عليه وسلم- لقومه، وهم يُوقِعون به وبأصحابه صنوف الأذى، فقال:«ربِّ اغفرْ لقومي فإنهم لا يعلمون»(٢).
وزار -صلى الله عليه وسلم- اليهودي الذي كان يخدمه لما مرض، فقعد عند رأسه، فقال له:«أَسلِمْ»، فنظر إلى أبيه، فقال له أبوه: أطعْ أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فأسلم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول:«الحمدُ الذي أنقذه منَ النار»(٣).
وجلس الخليفة الراشد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- يتحاكم مع اليهودي الذي وجد دِرعه عنده إلى القاضي شُرَيح، ولم يكن لديه بيِّنة، فقيل له: يحلف اليهودي، ويأخذ الدرع؟ فقال: هو ذاك. فلما رأى اليهودي أن خليفة المسلمين تحاكم معه إلى القضاء، اعترف بالدرع لعلي -رضي الله عنه-، وأعلن إسلامه (٤).
وكان لعبد الله بن المبارك -رحمه الله- جارٌ يهودي، فاحتاج اليهودي وأراد أن يبيع دارَه، فقيل له: بكم تبيعها؟ قال: بألفين. فقيل له: هي لا تساوي إلا ألفًا. فقال: صدقتُم، ولكن ألفٌ للدار، وألف لجوار عبد الله بن المبارك، فدعاه عبد الله وسأله: ما الذي دعاك لبيع دارك؟ قال: عليَّ دَين. فأعطاه ثمن الدار، وقال: لا تبعها (٥).
وبهذا ضرب الإسلام بتشريعاته العظيمة، ومبادئه السمحة، وسلوك أتباعه، أروع الأمثلة في العدل والرحمة والإحسان؟
(١) أخرجه مسلم في البر والصلة (٢٥٩٩) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-. (٢) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٧٧)، وفي استتابة المرتدين (٦٩٢٩)، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٩٢)، وابن ماجه في الفتن (٤٠٢٥)، وأحمد ١/ ٣٨٠ (٣٦١١) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. (٣) أخرجه البخاري في «الجنائز» (١٣٥٦)، وأبو داود في الجنائز (٣٠٩٥) من حديث أنس -رضي الله عنه-. (٤) «تاريخ الخلفاء» للسيوطي ص (١٨٤ - ١٨٥). (٥) انظر: «تذكرة أولي النهى» ٥/ ٢٧٢، و «موسوعة الأخلاق» ١/ ٣١٣.