وجعله -عز وجل- من الصبر الذي هو شطر الإيمان، فقال تعالى:{وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ}[النحل: ١٢٦].
وهو من صفات المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى:{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ}[التحريم: ٣]؛ أي: عفا وتغافل عن بعضٍ صلواتُ الله وسلامُه عليه.
ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- يقول:«اللهم اغفِرْ لقومي فإنهم لا يعلمون»(١)، وفي المغفرة عفو وسَتر.
ولما سأله مَلَكُ الجبال أن يُطبِق عليهم الأَخْشَبَيْنِ، قال:«بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم مَن يَعبُدُ الله وحدَه، لا يشرك به شيئًا»(٢)
ولما دخل مكة فاتحًا عفا -صلى الله عليه وسلم- عن قريش.
وعفا عن غَوْرَث بن الحارث الذي استلَّ سيفه من الشجرة وأراد قتله (٣).
ونزل عليه -صلى الله عليه وسلم- ثمانون رجلًا من التنعيم يريدون قتله، فعفا عنهم لَما قَدَرَ عليهم (٤).
وقد تكفل -عز وجل- بأجر من عفا وأصلح، فقال تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}
(١) أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء (٣٤٧٧)، وفي استتابة المرتدين (٦٩٢٩)، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٩٢)، وابن ماجه في الفتن (٤٠٢٥)، وأحمد ١/ ٣٨٠ (٣٦١١) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-. (٢) أخرجه البخاري في بدء الخلق (٣٢٣١)، ومسلم في الجهاد والسير (١٧٩٥) من حديث عائشة -رضي الله عنها-. (٣) أخرجه البخاري في الجهاد والسير (٢٩١٠)، وفي المغازي (٤١٣٥، ٤١٣٦، ٤١٣٩)، ومسلم في صلاة المسافرين (٨٤٣)، وأبو داود في الطهارة (١٩٨)، وأحمد ٣/ ٣٦٤ (١٤٩٢٨) من حديث جابر -رضي الله عنه-. (٤) أخرجه مسلم في الجهاد والسير (١٨٠٨)، وأحمد ٣/ ١٢٢ (١٢٢٢٧) من حديث أنس -رضي الله عنه-.