وعن سُراقة بن مالك -رضي الله عنه-، أنه لما لحق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وبصاحبه أبي بكر -رضي الله عنه- في طريق هجرته -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة؛ ليأخذ جائزة قريش التي جعلتها لمن يأتي بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فلما اقترب من النبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه ساختْ يدا فرسه في الأرض، فلم تستطع أن تتحرك (١). فقال له -صلى الله عليه وسلم- وهو في تلك الحال الشديدة متفائلًا:«كأنِّي بك قد لبِستَ سِوَارَيْ كِسْرَى»(٢).
وهكذا حصل بفضل الله تعالى.
ويوم الأحزاب حين أحاطت الأحزاب بالمدينة، كما قال تعالى:{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ}[الأحزاب: ١٠].
واجتمع على المسلمين في ذلك اليوم من الشدائد ما تَنُوءُ بحمله الجبال؛ من الخوف، والتعب، والجوع، والبرد، نزل -صلى الله عليه وسلم- حين استعصى على الصحابة -رضي الله عنهم- حجر كبير، وهم يحفرون الخندق، فأخذ المِعوَل فقال:«باسم الله». فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر وقال:«الله أكبر، أُعطيتُ مفاتيح الشأْمِ، واللهِ إني لأُبصِرُ قُصُورَها الحُمْر من مكاني هذا». ثم قال:«باسم الله». وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر، فقال:«الله أكبر، أُعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأُبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا». ثم قال:«باسم الله». وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر، فقال:«الله أكبر، أُعطيت مفاتيحَ اليمن، والله إني لأُبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا»(٣).
ولما كان -صلى الله عليه وسلم- يفاوض قريشًا في صلح الحُديبيَة، وقدم سهيل بن عمرو، قال -صلى الله عليه وسلم-
(١) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار (٣٩٠٦)، وأحمد ٤/ ١٧٥ (١٧٥٩١). وأخرجه البخاري في الموضع السابق (٣٩٠٨)، ومسلم في الأشربة (٢٠٠٩)، وأحمد ١/ ٢ (٣) من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما-. (٢) أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (٦/ ٣٥٧). (٣) أخرجه أحمد ٤/ ٣٠٣ (١٨٦٩٤)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» ٢٠/ ٣٧٦ (٣٧٩٧٥)، وأبو يعلى «مسنده» ٣/ ٢٤٤ (١٦٨٥)، والروياني في «مسنده» ١/ ٢٧٦ (٤١٠) من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما-. قال الهيثمي في «المجمع» (٦/ ١٣١): «رواه أحمد، وفيه ميمون أبو عبد الله، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات». وحسن الحافظ ابن حجر إسناده في «فتح الباري» (٧/ ٣٩٧).