تلك الشِّراج قد استوعبتْ ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمِسحاته، فقال له: يا عبدَ الله، ما اسمك؟ قال: فلان- للاسم الذي سمع في السحابة- فقال له: يا عبد الله، لمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتًا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسقِ حديقة فلان. لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثًا، وأرد فيها ثلثه» (١).
فهذا دليل على حفظ النعمة، ودوامها، وزيادتها بشكرها، فحفظ الله -عز وجل- لهذا الرجل حديقته من الجفاف والتلف بسبب شكره لله تعالى بأداء حق الله تعالى فيها، والاعتدال في توزيع الخارج منها.
كما تكفل -عز وجل- بجزاء الشكر، وثوابه في الآخرة، فقال تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء: ١٩].
ووعد تعالى برفع العذاب عمن شكر وآمن، فقال تعالى:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا}[النساء: ١٤٧].
قال ابن القيم (٢): «قرن الله -سبحانه وتعالى- الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به، فقال تعالى:{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ}؛ أي: إن وفيتم ما خلقكم له، وهو الشكر والإيمان، فما أصنع بعذابكم؟!».
(١) أخرجه مسلم في الزهد والرقائق (٢٩٨٤)، وأحمد ٢/ ٢٦٩ (٧٩٤١). (٢) في «عدة الصابرين» صـ ١١٨.