يرجع سبب اختلاف الفقهاء إلى من له التصرُّف والملك في الشيء الموقوف، فإن قيل: إن الملك في الموقوف للواقف أو للموقوف عليه؛ كان لكلٍّ النظر، وإن قيل: لله تعالى؛ كان النظر للقاضي (٣).
[الأدلة]
أدلة أصحاب القول الأول: القائلون بأن ولاية النظر إلى الواقف مدة حياته وإن لم يشترطها، فإن مات الواقف كانت الولاية لوصية بالشرط، فإن مات كانت الولاية للقاضي.
[السنة والمعقول]
١ - السنة: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ:"إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالَحٍ يَدْعُو لَهُ"(٤).
[وجه الدلالة]
دلَّ الحديث من وجه على أن الموقوف يزول عن ملك الواقف، ولا يدخل في ملك الموقوف عليه، لكنه ينتفع بغلته بالتصدق عليه (٥).
وعلَّق الكساني وغيره على الحديث؛ فقالوا: الوقف حبس الأصل وتصدُّق بالفرع، والحبس لا يوجب ملك المحبوس كالرهن، والعين وإن زالت بالوقف عن ملك الواقف حقيقة، فهي باقية على ملكه حكمًا؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ"(٦).
(١) انظر: البحر الرائق شرح كنز الدقائق، زين بن إبراهيم بن نجيم، ٥/ ٢٥١. (٢) انظر: مستند القضاء الجعفري، السيد عبد الله فحص، ٥٠٠. (٣) انظر: إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين، عثمان الدمياطي البكري، ٣/ ١٨٥، وحاشية البجيرمي، ٣/ ٢١٤. (٤) رواه مسلم في صحيحه، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، حديث رقم ٣٠٨٤. (٥) انظر: نيل الأوطار، الشوكاني، ٦/ ٢٧. (٦) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، علاء الدين أبو بكر الكاساني، ٦/ ٢٢٠ - ٢٢١، ولسان الحكام في معرفة الأحكام، ابن الشحنة، ١/ ٢٩٩.