وعلى هذا فيكون القَسَم بالملائكة التي نَشَرَتْ أجنحتها عند النزول، ففرَّقَت بين الحقِّ والباطل، فأَلْقَت الذِّكْرَ على الرُّسُلِ إعذارًا وإنذارًا.
ومن جعل "النَّاشِرات": الرِّياح جعل "الفَارِقَات" صفةً لها، وقال: هي تفرِّقُ السَّحَابَ ها هنا وها هنا، ولكن يأبى ذلك عطْفُ "المُلْقِيَات" بـ "الفاء" عليها.
ومن قال:"الفَارِقَات": آيُ القرآنِ؛ تُفرِّقُ بين الحقِّ والباطل، فقوله يلتئم مع كون "النَّاشِرَات" الملائكة أكثر من التئامه إذا قيل: إنَّها "الرِّياح".
ومن قال: هي جماعات الرُّسُل؛ فإنْ أراد الرُّسُلَ من الملائكة فظاهِرٌ، وإنْ أراد الرُّسُلَ من البشر فقد تقدَّمَ (٢) بيان ضعف هذا القول.
ويظهر - والله أعلم بما أراد من كلامه - أنَّ القَسَم في هذه السورة وقع على النَّوعين: الرِّياحِ، والملائكةِ. ووجه المناسبة: أنَّ حياةَ الأرض والنَّبَات وأبدان الحيوان بالرِّياح، فإنَّها من رَوْح الله، وقد جعلها الله - تعالى - نُشُورًا، وحياةَ القلوب والأرواح بالملائكة.
فبهذين النَّوعين يحصل نوعَا الحياة، ولهذا - والله أعلم - فَصَلَ
(١) وحكى الإجماع - أيضًا -: القرطبي في "الجامع" (١٩/ ١٥٤)، وابن كثير في "تفسيره" (٨/ ٢٩٧). (٢) راجع (ص/ ٢٢٤).