والالتجاء والهرب إليه فالأول: مخبر عن حالِه وعِياذِه بربه، وخبرُه يتضمن سؤاله وطلبه أن يعيذه. والثاني: طالب سائل من ربه أن يعيذه، كأنه يقول: أطلب منك أن تعيذني، فحال الأول أكمل.
ولهذا جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في امتثال هذا الأمر:"أعوذ باللهِ من الشيطان الرجيم"، و"أعُوذ بكَلِمَات اللهِ التَّامات"(١) - و"أعُوْذُ بعِزَّةِ اللهِ وَقدْرَتهِ"(٢) دون "أسْتَعيذ"، بل الذي علمه الله إياه أن يقول:{أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ}{أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}"أَسْتَعيذ"، فتأمل هذه الحكمة البديعة.
فإن قلت: فكيف جاء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر والمأمور به، فقال: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)} ومعلوم أنه إذا قيل: "قل الحمد لله"، و"قل سبحان الله"، فإن امتثاله أن يقول:"الحمد لله، وسبحان الله، ولا يقول: "قل سبحان الله"؟.
قلت: هذا هو السؤال الذي أورده أُبَيُّ بن كعب على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعينه وأجابه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال البخاري في "صحيحه" (٣): حدثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن عاصم وعَبْدَة، عن زرٍّ، قال: "سألت أُبيَّ بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسولَ اللُّه - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"قِيْلَ لي فقلت"، فنحن نقول كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
ثم قال (٤): حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا عَبْدة بن أبي لُبَابة،
(١) أحرجه مسلم رقم (٢٧٠٨) من حديث خولة بت حكيم السلمية - رضي الله عنها -. (٢) أخرجه مسلم رقم (٢٢٠٢) من حديث عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه- بلفظ: "أعوذ بقدرة الله"، وأخرجه أحمد (٢٩/ ٤٣٥ رقم ١٧٩٠٧)، وأبو داود رقم (٣٨٩١)، والترمذي رقم (٢٠٨٠) بلفظ المؤلف. (٣) رقم (٤٩٧٦). (٤) أي: البخاري رقم (٤٩٧٧).