وأيضًا: فإن التأكيد في مثل هذا السِّياق صريحٌ في التعظيم وتثبيت حقيقة الكلام والتكليم فعلاً ومصدرًا، ووصفه بما يُشعِر بالتقليل مضاد للسياق، فتأمله.
وأيضًا: فإن الله -سبحانه- قال لموسى:{اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي}[الأعراف: ١٤٤] فلو كان التكليم (١) الذي حصل له "تكليمًا مّا" كان مشاركًا لسائر الأنبياء فيه، فلم يكن لتخصيصه بالكلام معنى.
وأيضًا: فإن وَصْف المصدر هاهنا مُؤَذِن بقلَّته وأنَّ "نوعًا ما" من أنواع التكليم حصل له، وهذا محال هاهنا، فإن الإلهام "تكليم مَّا"، ولهذا سماه الله تعالى وحيًا، والوحى "تكليم مَّا" فقال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}[القصص: ٧]. {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ}[المائدة: ١١١] ونظائره. وقال عُبَادة بن الصامت:"رؤيا المؤمن كلام يكلِّم به الربُّ عبده في منامِه"(٢). فكلُّ هذه الأنواع تسمَّى "تكليمًا ما". وقد خصَّ -سبحانه وتعالى- موسى واصطفاه على البشر بكلامه له.
وأيضًا: فإن الله سبحانه حيثُ ذكرَ موسى ذكرَ تكليمه له باسم التكليم الخاص دون الاسم العام، كقوله: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ (ط/ ٩١ أ) لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] بل ذَكَرَ تكليمه له بأخصَّ من ذلك وهو تكليم خاص، كقوله:
(١) سقطت من (ظ ود). (٢) أخرجه الطبراني -كما في "المجمع": (٧/ ١٧٤) - والضياء في "المختارة": (٨/ ٢٧٥) مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال الهيثمي: "في سنده من لم أعرفه" اهـ.