فإن قيل: فبأيِّ شيءٍ يرتبط قوله: {تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ}، وهذا عطف على ما قبله فإنه ليس بمستأنف؟
فالجواب: أن ترك العطف هنا من بديع الكلام لشدة ارتباطه بما قبله ووقوعه منه موقع التفسير حتى كأنه هو، وتأمل مثل هذا في قوله تعالى:{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ}[يونس: ٢] كيف لم يعطف فعل القول بأداة عطف لأنه كالتفسير لتعجبهم والبدل من قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} فجرى مجرى قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}[الفرقان: ٦٨ - ٦٩] فلما كان مضاعفة العذاب بدلًا وتفسيرًا لـ "لأثام" لم يحسن عطفه عليه.
وزعم بعض الناس (١) أن من هذا الباب قول عمر -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح:"لا يَغُرَّنَّكَ هذه التي أَعْجَبَهَا حُسْنُها حبُّ رَسُولِ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - "(٢) لها فقال: "المعنى أعجبها حُسنُها وحُبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها"، وليس الأمر كذلك، ولكن قوله:"حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(٣) بدل من قوله: "هذه" وهو من بدل الاشتمال، والمعنى:"لا يغرنك حبُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذه التي قد أعجبها حسنها". ولا عطف هناك ولا حذف (٤)،
(١) هو: أبو القاسم بن الأبرش، أحد شيوخ السُّهيلي، وقد أشار إلى قوله هذا في "النتائج": (ص/ ٢٦٤)، ولم يُسمِّه، وانظر: "الأمالي": (ص/ ١٠١). (٢) أخرجه البخاري رقم (٢٤٦٨)، ومسلم رقم (١٤٧٩) من حديث عمر- رضي الله عنه-. (٣) من قوله: "لها" فقال ... " إلى هنا ساقط من (ظ ود). (٤) أجاب الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": (٩/ ١٩٣)، بأنه قد ثبت في بعض الروايات حرف العطف -الواو- فيتأيد كلام الأبرش.