والثاني: قابلوها بالتكذيب، ثمَّ عملوا بخلافها، فكانت مرتبة المسموع منهم قبل مرتبة البصر، فقدّم ما يتعلَّق (١) به على ما يتعلّق بالمبصَر، وتأمَّل هذا المعنى في قوله تعالى لموسى:{إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}[طه: ٤٦] هو يسمع ما يجيبهم به ويرى ما يصنعه، وهذا لا يعم سائر المواضع، بل يختصَّ منها بما هذا شأْنُه.
والسبب الثاني: أَنَّ إنكار الأوهام الفاسدة لسمع الكلام، مع غاية البعد بين السامع والمسموع، أشدّ من إنكارها لرؤيته مع بُعْدِه.
(ق/ ٢٨ ب) وفي "الصحيحين"(٢) عن ابن مسعود قال: اجتمع عند البيت ثلاثةُ نَفَرٍ؛ ثقفيان وقرشي، أو قرشيان وثقفي، فقال أحدهم: أترون الله يسمعُ ما نقول؟ فقال الآخر: يسمع إن جَهَرْنا ولا يسمع إن أخفَيْنا، فقال الثالث: إن كان يسمع إذا جهرنا؛ فهو يسمع إذا أخفينا (٣).
ولم يقولوا: أترون الله يرانا؟ فكان تقديم السَّمع أهم، والحاجة إلى العلم به أمسّ.
(١) من قوله: "بموجبها ... " إلى هنا ساقط من (ق). (٢) البخاري رقم (٤٨١٦)، ومسلم رقم (٢٧٧٥). (٣) العبارة معكوسة اللفظ في (ق).