فإن الظلمة سابقة للنور في المحسوس والمعقول، وتقدمهما في المحسوس معلوم (١) بالخبر المنقول، وتقدم الظلمة المعقولة معلوم بضرورة العقل، قال سبحانه:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}[النحل: ٧٨] فالجهل (٢) ظلمة معقولة، وهي متقدمة بالزمان على نور العلم (٣) ولذلك قال تعالى: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ}[الزمر: ٦]، فهذه ثلاث محسوسات: ظلمة الرَّحِم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة، وثلاث معقولات وهي: عدم الإدراكات الثلاثة المذكورة في الآية المتقدمة؛ إذ (٤): "لكلِّ آية ظهر وبطن، ولكل حرف حدٌّ، ولكل حدٍّ (٥) مطلع"(٦)، وفي الحديث:"إِنَّ اللهَ خَلَقَ عِبَادَهُ في (ق/٢٤ أ) ظُلْمَةٍ ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمْ من نُوْرِه"(٧).
ومن المتقدِّم بالطبع نحو:{مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}[النساء: ٣] ونحو:
(١) (ق): "معقول". (٢) في "النتائج": "وانتفاء العلم". (٣) (ق): "العلوم"، و"النتائج": "الإدراك". (٤) ليست في (ق). (٥) "ولكل حد" سقط من (د). (٦) جاء هذا القول عن بعض السلف، وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، انظر ذلك مع شرحه في "الإتقان": (٢/ ٤٨٦)، و"البرهان": (٢/ ١٦٩). (٧) أخرجه أحمد: (٢/ ١٧٦، ١٩٧)، والترمذي رقم (٢٦٤٢)، وحسَّنه، وابن حبان في "الإحسان": (١٤/ ٤٣)، والحاكم في "المستدرك": (١/ ٣٠) وصححه، وابن أبي عاصم في "السنة": (ص/ ١٠٨)، واللالكائي: (٤/ ٦٠٣)، والآجري في "الشريعة": (٢/ ٧٥٧). كلهم من طريق عبد الله ابن الدَّيْلمي عن عبد الله بن عَمرو به، وسنده صحيح، وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي والألباني في "السلسلة" رقم (١٠٧٦).