القلة على الآخر؛ فمن نصرَ التخيير احتجَّ بما في الترمذي و"سنن ابن ماجه" عن [عبد الله بن] عامر بن ربيعة، عن أبيه، قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة فلم نَدرِ أين القبلَة، فصلَّى كلّ رجل على حِيَالِه، فلما أصبحْنا ذكرنا ذلك للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فنزل:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}(١)[البقرة: ١١٥] قال الترمذي: "هذا حديث حسن، إلا أنه من حديث أشعث السَّمَّان، وفيه ضعف".
وروى الدَّارَقُطنيّ (٢) من حديث عطاء، عن جابر، قال: كنَّا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مَسِير فأصابنا غيمٌ فتحيَّرنا فاختلفنا في القِبلة، فصلّى كل رجل منا على حِدَة، وجعل أحدنا يُخط بين يديه لنعلَمَ أمكِنتنا، فذكرنا ذلك للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلم يأمرْنا بالإعادة وقال:"قَدْ أجْزأتكمْ صَلاتُكمْ"(٣)، قال الدَّارقطني: رواه محمد بن سالم، عن عطاء. قال: ويروى أيضًا عن محمد بن عبيد الله العَرْزَمي، عن عطاء، وكلاهما ضعيف. وقال العقيلي:"لا يروى من هذا الحديث من وجه يثبت"(٤).
واحتجوا أيضًا بما تقدَّم حكايته: أن اللهَ لم يأمرْ بالاستقبال إلا
(١) أخرجه الترمذي رقم (٢٩٥٧)، وابن ماجه رقم (١٠٣٠)، والدارقطني: (١/ ٢٧٢) وغيرهم من حديث ابن ربيعة. قال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث أشعث السمان ... وأشعث يُضعف في الحديث" اهـ. ونقل المزي في "التحفة": (٤/ ٢٢٨)، والعظيم أبادي في "التعليق المغني" عن الترمذي أنه قال: "ليس إسناده بذاك ... " وهو مخالف لما نقله المؤلف هنا، ولما نقلناه عن "الجامع". (٢) "السنن": (١/ ٢٧١). (٣) وأخرجه الحاكم: (١/ ٢٠٦). (٤) "الضعفاء": (١/ ٣١).