ما يفيدُ مصاحَبَتَهُ له في مَسْراه، فإن الباء هنا للمصاحبة، كهي في قوله:"هَاجَرَ بِأَهْلِهِ وسَافَرَ بغُلامِهِ" وليست للتعدية، فإنَّ (أسرى) يتعدَّى بنفسه، يقال: سَرَى به وأَسْرَاه، وهذا لأن ذلك السُّرَى كان من أعظم أسفاره - صلى الله عليه وسلم -، والسفرُ يعتمدُ الصاحبَ، ولهذا كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سافر يقول:"اللَّهُمَّ أنْتَ الصَّاحِبُ في السَّفَرِ"(١).
فإن قيل: فهذا المعنى يُفهم من الفعل الثلاثي لو قيل: "سَرَي بعبده"، فما فائدة الجمع بين الهمزة والباء؛ ففيه أجوية:
أحدها: أنهما بمعنًى، وإنَّ أَسْرَى لازمٌ كـ: سَرَى، تقول:"سَرَى زيدٌ وأَسْرَى"، بمعنى واحد، هذا قول جماعة.
(ق/٢٨٥ أ) والثاني: أن (أسرى) مُتَعَدٍّ ومفعوله محذوف، أي:"أَسْرى بِعَبْدهِ البُرَاقُ"، هذا قول السهيلي (٢) وغيره، ويشهد للقول الأول قول الصِّدِّيق:"أسْرَيْنا لَيْلَتَنا كُلَّها ومن الغَدِ حتى قام قائمُ الظَّهِيرَةِ"(٣).
والجواب الصحيحُ: أن الثُّلاثِيَّ المتعدِّي بالباء يفهم منه شيئانِ؛ أحدهما: صدور الفعل من فاعله، والثاني: مصاحبته لما دخلت عليه الباء.
فإذا قلت:"سَرَيْتُ بزَيْدٍ وسَافَرْتُ به"، كنتَ قد وُجد منك السُّرَى والسفر مصاحبًا لزيد فيه، كما قال:
(١) أخرجه مسلم رقم (١٣٤٢) من حديث ابن عمر -رضي الله عنه-. (٢) كما في "الروض الأنف": (٢/ ١٤٨). (٣) في حديث الهجرة، أخرجه البخاري رقم (٣٦١٥)، ومسلم رقم (٢٠٠٩) من حديث البراء بن عازب عن أبي بكر -رضي الله عنهما-.