للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحسنيين: إمّا أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدّنيا إن ظفرنا بكم، أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإنّها (a) لأحبّ الخصلتين إلينا بعد الاجتهاد منّا؛ وإن اللّه ﷿ قال لنا في كتابه: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اَللّهِ وَاَللّهُ مَعَ اَلصّابِرِينَ﴾ [الآية ١٤٩ سورة البقرة]؛ وما منّا رجل إلاّ وهو يدعو ربّه صباحا ومساء أن يرزقه الشّهادة، وألاّ يردّ إلى بلده ولا إلى أرضه ولا إلى أهله وولده، وليس لأحد منّا همّ فيما خلّفه، وقد استودع كلّ واحد منّا ربّه أهله وولده، وإنّما همّنا ما أمامنا.

وأمّا قولك إنّا في ضيق وشدّة من معاشنا وحالنا، فنحن في أوسع السّعة، لو كانت الدّنيا كلّها لنا، ما أردنا منها لأنفسنا أكثر ممّا نحن عليه. فانظر الذي تريد فبيّنه لنا، فليس بيننا وبينك خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها، إلاّ خصلة من ثلاث، فاختر أيّتها شئت، ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني/ الأمير، وبها أمره أمير المؤمنين، وهو عهد رسول اللّه للّه من قبل إلينا.

إمّا أجبتم (b) إلى الإسلام الذي هو الدين القيّم الذي لا يقبل اللّه غيره، وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا اللّه تعالى أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه، فإن فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا، وكان أخانا في دين اللّه؛ فإن قبلت ذلك أنت وأصحابك، فقد سعدتم في الدنيا والآخرة، ورجعنا عن قتالكم، ولم نستحلّ أذاكم ولا التّعرّض لكم؛ وإن أبيتم إلاّ الجزية، فأدّوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وأن نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كلّ عام أبدا ما بقينا وبقيتم، ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمّتنا، وكان لكم به عهد علينا؛ وإن أبيتم فليس بيننا وبينكم إلاّ المحاكمة بالسّيف حتى نموت من آخرنا، أو نصيب ما نريد منكم. هذا ديننا الذي ندين اللّه تعالى به، ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره، فانظروا لأنفسكم.

فقال المقوقس: هذا ما لا يكون أبدا، ما تريدون إلاّ أن تتّخذونا عبيدا ما كانت الدنيا؛ فقال له عبادة: هو ذاك، فاختر لنفسك ما شئت؛ فقال المقوقس: أفلا تجيبونا إلى خصلة غير هذه الثلاث خصال؟ فرفع عبادة يديه إلى السّماء فقال: لا وربّ هذه السّماء وربّ هذه الأرض وربّ كلّ شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها، فاختاروا لأنفسكم.

فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه فقال: قد فرغ القوم فما ترون؟ فقالوا: أو يرضى أحد بهذا الذّلّ! أمّا ما أرادوا من دخولنا في دينهم، فهذا لا يكون أبدا أن نترك دين المسيح بن مريم


(a) بولاق: ولأنها.
(b) بولاق: إما إن أجبتم.